الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ} (190)

فإن قلت : كيف كرّر في هذه السورة في أوّل كل قصة وآخرها ما كرّر ؟ قلت : كل قصة منها كتنزيل برأسه ، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها ، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها ، وأن تختتم بما اختتمت به ، ولأنّ في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس ، وتثبيتاً لها في الصدور . ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا ترديد ما يراد تحفظه منها ، وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأثبت للذكر وأبعد من النسيان ، ولأنّ هذه القصص طرقت بها آذان وقر عن الإنصات للحق ، وقلوب غلف عن تدبره ، فكوثرت بالوعظ والتذكير ، وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذناً ، أو يفتق ذهناً ، أو يصقل عقلاً طال عهده بالصقل ، أو يجلو فهما قد غطى عليه تراكم الصدأ .