ثم قال تعالى : { وأنه هو رب الشعرى } إشارة إلى فساد قول قوم آخرين ، وذلك لأن بعض الناس يذهب إلى أن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده فمن كسب استغنى ، ومن كسل افتقر وبعضهم يذهب إلى أن ذلك بالبخت ، وذلك بالنجوم ، فقال : { هو أغنى وأقنى } وإن قائل الغنى بالنجوم غالط ، فنقول هو رب النجوم وهو محركها ، كما قال تعالى : { هو رب الشعرى } وقوله : { هو رب الشعرى } لإنكارهم ذلك أكد بالفصل ، والشعرى نجم مضيء ، وفي النجوم شعريان إحداهما شامية والأخرى يمانية ، والظاهر أن المراد اليمانية لأنهم كانوا يعبدونها .
49- وأنه - هو - رب هذا الكوكب العظيم المسمى بالشعرى{[210]} .
{ وأنه هو رب الشعرى } يعني العبور وهي أشد ضياء من الغميصاء ، عبدها أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وخالف قريشا في عبادة الأوثان ، ولذلك كانوا يسمون الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة ، ولعل تخصيصها للإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وإن وافق أبا كبشة في مخالفاتهم خالفه أيضا في عبادتها .
الشعرى : هي ذلك النجم الوضاء ، الذي يقال له : مِرْزم الجوزاء ، وقد عبدته طائفة من العرب .
49- { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى } .
والشِّعرى : هذا الكوكب الوهاج الذي يطلع خلف الجوزاء في شدة الحر ، وإنما خصها بالذكر من بين الأجرام السماوية ، وفيها ما هو أكبر منها جرما ، وأكثر ضوءا ، لأنها عُبدت من دون الله في الجاهلية ، فقد عبدتها حمير وخزاعة .
الشّعرى : نجم مضيء وهي معروفة بالشّعرى اليمانية ، أشدّ نجمٍ لمعاناً في السماء ، يبلغ قطرها ضِعف قطر الشمس ، وأكثر لمعاناً من الشمس بِ 27 مرة . وكان بعض العرب يعبدونها في الجاهلية .
وقد نصّ بشكل خاص بأنه ربّ الشعرى اليمانية ( ألمع نجمٍ في كوكبة الكلب الأكبر ، وأَلْمع ما يُرى من نجوم السماء ) ، لأن بعض العرب كانوا يعبدونها . وكان قدماء المصريين يعبدونها أيضا ، لأن ظهورها في جهة الشرق نحو منتصف شهر تموز قبل شروق الشمس ، يتفق مع زمن الفيضان في مصر الوسطى ، وهو أهم حادث في العام ، وابتداء عام جديد .
{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى } هي { الشعرى } العبور بفتح العين المهملة والباء الموحدة والراء المهملة بعد الواو ، وتقال { الشعرى } أيضاً على الغميصاء بغين معجمة مضمومة وميم مفتوحة بعدها ياء مثناة تحتية وصاد مهملة ومد ، والأولى : في الجوزاء ، وإنما قيل لها العبور لأنها عبرت المجرة فلقيت سهيلاً ولأنها تراه إذا طلع كأنها ستعبر وتسمى أيضاً كلب الجبار لأنها تتبع الجوزاء المسماة بالجبار كما يتبع الكلب الصائد أو الصيد ، والثانية : في ذراع الأسد المبسوط ، وإنما قيل لها الغميصاء لأنها بكت من فراق سهيل فغمصت عينها ، والغمص ما سال من الرمص وهو وسخ أبيض يجتمع في الموق ، وذلك من زعم العرب أنهما أختا سهيل ، وفي «القاموس » من أحاديثهم أن الشعري العبور قطعت المجرة فسميت عبوراً وبكت الأخرى على أثرها حتى غمصت ويقال لها الغموس أيضاً ، وقيل : زعموا أن سهيلاً و { الشعري } كانا زوجين فانحدر سهيل وصار يمانياً فاتبعه الشعري فعبرت المجرة فسميت العبور وأقامت الغميصاء وسميت بذلك لأنها دون الأولى ضياءاً ، وكل ذلك من تخيلاتهم الكاذبة التي لا حقيقة لها ، والمتبادر عند الإطلاق وعدم الوصف العبور لأنها أكبر جرماً وأكثر ضياءاً وهي التي عبدت من دون الله سبحانه في الجاهلية .
قال السدي : عبدتها حمير . وخزاعة ، وقال غيره : أول من عبدها أبو كبشة رجل من خزاعة ، أو هو سيدهم واسمه وخز بن غالب وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : ابن أبي كبشة شبهوه به لمخالفته قومه في عبادة الأصنام ، وذكر بعضهم أنه أحد أجداده عليه الصلاة والسلام من قبل أمه وأنهم كانوا يزعمون أن كل صفة في المرء تسري إليه من أحد أصوله فيقولون نزع إليه عرق كذا ، وعرق الخال نزاع ، وقيل : هو كنية وهب بن عبد مناف جده صلى الله عليه وسلم من قبل أمه ، وقولهم له عليه الصلاة والسلام ذلك على ما يقتضيه ظاهر القاموس لأنه صلى الله عليه وسلم في الشبه الخلقي دون المخالفة ، وقيل : كنية زوج حليمة السعدية مرضعته عليه الصلاة والسلام ، وقيل : كنية عم ولدها ولكونها عبدت من دونه عز وجل خصت بالذكر ليكون ذلك تجهيلاً لهم بجعل المربوب ربا ، ولمزيد الاعتناء بذلك جيء بالجملة على ما نطق به النظم الجليل .
ومن العرب من كان يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم ويزعمون أنها تقطع السماء عرضاً وسائر النجوم تقطعها طولاً ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها ففي قوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى } إشارة إلى نفي تأثيرها .
{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى } وهي النجم المعروف بالشعرى العبور ، المسماة بالمرزم ، وخصها الله بالذكر ، وإن كان رب كل شيء ، لأن هذا النجم مما عبد في الجاهلية ، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبده المشركون مربوب مدبر مخلوق ،
فكيف تتخذ إلها مع الله{[912]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.