اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعۡرَىٰ} (49)

قوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعرى } والشِّعْرَى في لسان العرب كوكبان يسمى أحدهما الشعرى العبور وهو المراد في الآية الكريمة ، فإِنَّ خُزَاعَةَ كانت تعبدها ، وسن عبادتها أبو كبشة رجلٌ من سادتهم فعبدها وقال : لأن النجوم تقطع السماء عَرْضاً والشِّعْرى تقطعها طولاً فهي مخالفة لها فعبدتها خُزَاعَةُ وحِميرُ وأبو كبشة أحد أجداد النبي - صلى الله عليه وسلم - من قِبَل أمهاته ، وبذلك كان مشركو قريش يُسمونَ النبي - صلى الله عليه وسلم - : ابن أبي كبشة حين دعا إلى الله ، وخالف أدْيَانَهُمْ ، فكانت قريشٌ تقولُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابْنَ أبي كبشة تشبيهاً بذلك الرجل في أنه أحْدَثَ ديناً غيرَ دِينهِمْ .

والشِّعرى العبور تطلع بعد الجوْزَاء في شدة الحر ويقال لها : مرزم الجوزاء وتسمى كلب الجبار ، ويسمى الشعرى اليمانية والثاني الشعرى الغُمَيْصَاء ، وهي التي في الذّراع والمجرة بينهما وتسمى الشامية ، وسبب تسميتها بالغميصاء - على ما زعمت العرب في بعض خرافاتها - أنهما كانتا أختين لسُهَيْل فانحدر سُهَيْلٌ إلى اليمن فاتبعته الشّعرى العَبُور فعبرت المجرة فسُمِّيَت العبور ، وأقامت الغميصاءُ تبكي لفَقْدِهِ ، حتى غمصت عينها ، ولذلك كانت أخفى من العبور . وقد كان من لا يعبد الشِّعرى من العرب يعلمها ويعتقد تأثيرها في العالم قال :

مَضَى أَيْلُولُ وَارْتَفَعَ الحَرُورُ *** وَأَخْبَتْ نَارَها الشِّعْرَى العَبُورُ{[53760]}

فصل

وهذا الآية إشارة إلى فساده قولِ قوم آخرين ؛ لأن بعض الناس يذهب إلى أن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده ، فمن كسب استغنَى ، ومن كسل افْتَقَرَ ، وبعضهم يذهب إلى أن ذلك بسبب الطالع وذلك بالنجوم فقال : هو أغنى وأقنى وإن قال قائل : إن الغنى بالنجوم فيقال : هو رَبّ النجوم ومُحَرِّكُها لقوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى } لإنكارهم ذلك أُكِّد بالفصل{[53761]} .


[53760]:من الوافر ولم أعرف قائله وجاء به شاهدا على أن الشّعرى نوع من أنواع الكواكب كما أخبر أعلى. وانظر القرطبي 17/119 وتفسير البغوي والخازن 6/270 و271.
[53761]:بالمعنى من الرازي 15/23 و24.