مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّٗا} (14)

الصفة السادسة : قوله : { وبرا بوالديه } وذلك لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى مثل تعظيم الوالدين ، ولهذا السبب قال : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } . الصفة السابعة : قوله : { ولم يكن جبارا } والمراد وصفه بالتواضع ولين الجانب وذلك من صفات المؤمنين كقوله تعالى : { واخفض جناحك للمؤمنين } وقال تعالى : { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } ولأن رأس العبادات معرفة الإنسان نفسه بالذل ومعرفة ربه بالعظمة والكمال ومن عرف نفسه بالذل وعرف ربه بالكمال كيف يليق به الترفع والتجبر ، ولذلك فإن إبليس لما تجبر وتمرد صار مبعدا عن رحمة الله تعالى وعن الدين وقيل الجبار هو الذي لا يرى لأحد على نفسه حقا وهو من العظم والذهاب بنفسه عن أن يلزمه قضاء حق أحد ، وقال سفيان في قوله : { جبارا عصيا } إنه الذي يقبل على الغضب والدليل عليه قوله تعالى : { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض } وقيل : كل من عاقب على غضب نفسه من غير حق فهو جبار لقوله تعالى : { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } . الصفة الثامنة : قوله : { عصيا } وهو أبلغ من العاصي كما أن العليم أبلغ من العالم .