اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّٗا} (14)

قوله : { وبَرًّا } : يجوز أن يكون نسقاً على خبر " كان " أي : كان تقيًّا برًّا . ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدَّر ، أي : وجعلناه برًّا ، وقرأ{[21466]} الحسن " بِرًّا " بكسر الباء في الموضعين ، وتأويله واضحٌ ، كقوله : { ولكن البر مَنْ آمَنَ } [ البقرة : 177 ] وتقدَّم تأويله ، و " بِوالِدَيْهَ " متعلقٌ ب " بَرًّا " .

و " عَصِيًّا " يجوز أن يكون وزنه " فَعُولاً " والأصل : " عَصُويٌ " ففعل فيه ما يفعل في نظائره ، و " فَعُولٌ " للمبالغة ك " صَبُور " ويجوز أن يكون وزنه فعيلاً ، وهو للمبالغة أيضاً .

فصل في معنى الآية

قوله : { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ } أي : بارًّا لطيفاً بهما محسناً إليهما ، " ولمْ يكُن جبَّاراً عصيًّا " .

الجبَّار المتكبِّر .

وقال سفيان : الجبَّار الذي يضرب ويقتل على الغضب ؛ لقوله تعالى : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض }{[21467]} [ القصص : 19 ] ؛ ولقوله تعالى : { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } [ الشعراء : 130 ] والجبَّارُ أيضاً : القهار ، قال تعالى { العزيز الجبار } [ الحشر : 23 ] .

والعَصِيُّ : العاصِي ، والمراد : وصفة بالتواضع ، ولين الجانب ، وذلك من صفات المؤمنين ؛ كقوله تعالى : { واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 88 ] وقوله تعالى : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } [ آل عمران : 159 ] .

وقيل : الجبَّار : هو الذي لا يرى لأحدٍ على نفسه حقًّا . وقيل غير [ ذلك ] وقوله : { عصيا } وهو أبلغُ من العاصي ، كما أن العليمَ أبلغُ من العالم .


[21466]:ينظر: الإتحاف 2/234، والبحر 6/177، والدر المصون 4/495.
[21467]:ذكره الرازي في "تفسيره" (21/165.