مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ} (16)

أما قوله : { وكذلك أنزلناه آيات بينات } فمعناه ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله آيات بينات .

أما قوله : { وأن الله يهدي من يريد } فقد احتج أصحابنا به فقالوا : المراد من الهداية ، إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة والأول غير جائز لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ولأن قوله : { يهدي من يريد } دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي معلقة بمشيئته سبحانه ووضع الأدلة عند الخصم واجب فبقي أن المراد منه خلق المعرفة قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار هذا يحتمل وجوها . أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحدا شيئا فقد وصفه له وبينه له . وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإثابة من يريد ممن آمن وعمل صالحا . وثالثها : أن يكون المراد أن الله تعالى يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا زاده هدى ثبت على إيمانه كقوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى } وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قبل لا من لم يقبل ، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي والجواب : عن الأول أن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة والجواب عن الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف ، وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان لأنهما عندك واجبان على الله تعالى وقوله : { يهدي من يريد } يقتضي عدم الوجوب .