اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ} (16)

قوله : { وكذلك أَنزَلْنَاهُ } الكاف إما حال من ضمير المصدر المقدر ، وإما نعت لمصدر محذوف على حسب ما تقدم من الخلاف ، أي : ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله «آيَاتٍ بَيِّنَات »{[30487]} ف «آيات » حال .

قوله : { وَأَنَّ الله يَهْدِي } يجوز في «أن » ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها منصوبة المحل ، عطفاً على مفعول «أنزلناه » ، أي{[30488]} : وأنزلنا أن الله يهدي من يريد ، أي : أنزلنا هداية الله لمن يريد هدايته {[30489]} .

الثاني : أنها على حذف حرف الجر ، وذلك الحرف متعلق بمحذوف والتقدير{[30490]} : ولأن الله يهدي من يريد أنزلناه ، فيجيء في موضعها القولان المشهوران أفي محل نصب هي أم جر ؟ وإلى هذا ذهب الزمخشري ، وقال في تقديره : ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أنزله كذلك مبيناً {[30491]} .

الثالث : أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ مضمر تقديره : والأمر أن الله يهدي من يريد {[30492]} .

فصل{[30493]}

قال أهل السنة : المراد من الهداية إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة ، أما الأول فغير جائز ؛ لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ، ولأن قوله : { يَهْدِي مَن يُرِيدُ } دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي متعلقة بمشيئته سبحانه ، ووضع الأدلة عند الخصم واجب ، فيبقى أن المراد منه خلق المعرفة . قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار : هذا{[30494]} يحتمل وجوهاً :

أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحداً شيئاً فقد وصفه له وبينه .

وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإنابة من يريد ممن آمن وعمل صالحاً .

وثالثها : أن يكون المراد أن الله يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا هدي ثبت على إيمانه كقوله تعالى : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى{[30495]} } [ محمد : 17 ] . وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قَبِلَ لا من لم{[30496]} يقبل ، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي .

وأجيب عن الأول بأن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة ، وعن الثاني ، من الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف ، وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان ، لأنهما عند الخَصْم واجبان على الله ، وقوله : { يَهْدِي مَن يُرِيدُ } يقتضي عدم الوجوب .


[30487]:انظر البحر المحيط 6/358.
[30488]:أي: سقط من ب.
[30489]:انظر التبيان 2/946.
[30490]:والتقدير: سقط من ب.
[30491]:الكشاف: 3/28، وانظر أيضا التبيان 2/936.
[30492]:انظر البحر المحيط 6/358.
[30493]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/18.
[30494]:في ب: هل. وهو تحريف.
[30495]:[محمد: 17].
[30496]:لم: تكملة من الفخر الرازي.