مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

ثم إنه تعالى لما علم رسوله أنواع الأدلة وأصناف الأمثلة ووعد وأوعد ولم يزدهم دعاؤه إلا فرارا ، وإنباؤه إلا كفرا وإضرارا ، قال له : { فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في الترتيب فنقول إرشاد الميت محال ، والمحال أبعد من الممكن ، ثم إرشاد الأصم صعب فإنه لا يسمع الكلام وإنما يفهم ما يفهمه بالإشارة لا غير ، والإفهام بالإشارة صعب ، ثم إرشاد الأعمى أيضا صعب ، فإنك إذا قلت له الطريق على يمينك يدور إلى يمينه ، لكنه لا يبقى عليه بل يحيد عن قريب وإرشاد الأصم أصعب ، فلهذا تكون المعاشرة مع الأعمى أسهل من المعاشرة مع الأصم الذي لا يسمع شيئا ، لأن غاية الإفهام بالكلام ، فإن ما لا يفهم بالإشارة يفهم بالكلام وليس كل ما يفهم بالكلام يفهم بالإشارة ، فإن المعدوم والغائب لا إشارة إليهما فقال أولا لا تسمع الموتى ، ثم قال ولا الأصم ولا تهدي الأعمى الذي دون الأصم .

المسألة الثانية : قال في الصم { إذا ولوا مدبرين } ليكون أدخل في الامتناع ، وذلك لأن الأصم وإن كان يفهم فإنما يفهم بالإشارة ، فإذا ولى ولا يكون نظره إلى المشير فإنه يسمع ولا يفهم .