محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

ثم أشار تعالى إلى أن من أنكر قدرته على إيحاء الزرع بعد اصفراره ، وقد رأى قدرته على إيحاء الأرض بعد موتها ، فهو ميت لا يمكن إسماعه خبر إحياء الموتى ، بقوله سبحانه { فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } أي لما أن هؤلاء مثلهم ، لانسداد مشاعرهم عن الحق { وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } قال أبو السعود : تقييد الحكم بما ذكر ، لبيان كمال سوء حال الكفرة والتنبيه على أنهم جامعون لخصلتي السوء ، نبو أسماعهم عن الحق ، وإعراضهم عن الإصغاء إليه . ولو كان فيهم إحداهما ، لكفاهم ذلك . فكيف وقد جمعوهما ؟ { وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ } أي ما تسمع { إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي منقادون لما تأمرهم به من الحق .

تنبيه :

قال ابن كثير : وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية {[6081]} : { فإنك لا تسمع الموتى } على توهيم {[6082]} عبد الله بن عمر في رواية مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر ، بعد ثلاثة أيام ، ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم . حتى قال له عمر : ( يا رسول الله ! ما تخاطب من قوم قد جيفوا ؟ فقال : والذي نفسي بيده ! ما أنتم بأسمع لما أقول ، منهم . ولكن لا يجيبون ) . وتأولته عائشة على أنه قال : ( إنهم الآن يعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ) .

وقال قتادة : أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته ، تقريعا وتوبيخا ونقمة .

ثم قال ابن كثير : والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر ، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة . من أشهر ذلك ، ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا ( ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم ، كان يعرفه في الدنيا ، فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) . انتهى .

وقال ابن الهمام : أكثر مشايخنا على أن الميت لا يسمع استدلالا بهذه الآية ونحوها . ولذا لم يقولوا : بتلقين القبر . وقالوا : لو حلف لا يكلم فلانا ، فكلمه ميتا لا يحنث . وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب ؛ ( ما أنتم بأسمع منهم ) وأجيب تارة بأنه روى عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرته وأخرى بأنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم معجزة له . أو أنه تمثيل . كما روي عن علي كرم الله وجهه . وأورد عليه ما في مسلم {[6083]} من أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا . إلا أن يخص بأول الوضع في القبر ، مقدمة للسؤال ، جمعا بينه وبين ما في القرآن . نقله الشهاب .


[6081]:(30 الروم 52).
[6082]:الحديثان أخرجهما البخاري في: 23 – كتاب الجنائز، 87 – باب ما جاء في عذاب القبر، حديث 726 و 727.
[6083]:أخرجه في: 51 – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم 71 (طبعتنا).