مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يَمۡلِكُ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٖ نَّفۡعٗا وَلَا ضَرّٗا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (42)

ثم بين أن ما كانوا يعبدونه لا ينفعهم فقال : { فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الخطاب بقوله : { بعضكم } مع من ؟ نقول يحتمل أن يكون الملائكة لسبق قوله تعالى : { أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } وعلى هذا يكون ذلك تنكيلا للكافرين حيث بين لهم أن معبودهم لا ينفع ولا يضر ، ويصحح هذا قوله تعالى : { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } وقوله : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } ولأنه قال بعده : { ونقول للذين ظلموا ذوقوا } فأفردهم ولو كان المخاطب هم الكفار لقال فذوقوا .

وعلى هذا يكون الكفار داخلين في الخطاب حتى يصح معنى قوله : { بعضكم لبعض } أي الملائكة للكفار ، والحاضر الواحد يجوز أن يجعل من يشاركه في أمر مخاطبا بسببه ، كما يقول القائل لواحد حاضر له شريك في كلام أنتم قلتم ، على معنى أنت قلت ، وهم قالوا ، ويحتمل أن يكون معهم الجن أي لا يملك بعضكم لبعض أيها الملائكة والجن ، وإذا لم تملكوها لأنفسكم فلا تملكوها لغيركم ويحتمل أن يكون المخاطب هم الكفار لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم ، وعلى هذا فقوله : { ونقول للذين ظلموا } إنما ذكره تأكيدا لبيان حالهم في الظلم ، وسبب نكالهم من الإثم ولو قال : { فذوقوا عذاب النار } لكان كافيا لكنه ، لا يحصل ما ذكرنا من الفائدة ، فإنهم كلما كانوا يسمعون ما كانوا عليه من الظلم والعناد والإثم والفساد يتحسرون ويندمون .

المسألة الثانية : قوله : { نفعا } مفيد للحسرة ، وأما الضر فما الفائدة فيه مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك ؟ فنقول لما كانت العبادة تقع لدفع ضر المعبود كما يعبد الجبار ويخدم مخافة شره بين أنهم ليس فيهم ذلك الوجه الذي يحسن لأجله عبادتهم .

المسألة الثالثة : قال : ههنا { عذاب النار التي كنتم بها تكذبون } وقال في السجدة : { عذاب النار الذي كنتم به } جعل المكذب هنالك العذاب وجعل المكذب ههنا النار وهم كانوا يكذبون بالكل ، والفائدة فيها أن هناك لم يكن أول ما رأوا النار بل كانوا هم فيها من زمان بدليل قوله تعالى : { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } أي العذاب المؤبد الذي أنكرتموه بقولكم : { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } أي قلتم إن العذاب إن وقع فلا يدوم فذوقوا الدائم ، وههنا أول ما رأوا النار لأنه مذكور عقيب الحشر والسؤال فقيل لهم : { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } .