السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يَمۡلِكُ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٖ نَّفۡعٗا وَلَا ضَرّٗا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (42)

ولما بطلت تمسكاتهم وانقطعت تعلقاتهم تسبب عن ذلك تقريعهم الناشئ عن تنديمهم بقوله تعالى : بلسان العظمة : { فاليوم } أي : يوم مخاطبتهم بهذا التبكيت وهو يوم الحشر { لا يملك } أي : شيئاً من الملك { بعضكم لبعض } أي : من المقربين والمبعدين { نفعاً ولا ضراً } بل تنقطع الأسباب التي كانت في دار التكليف من دار الجزاء التي المقصود فيها تمام إظهار العظمة لله وحده على أتم الوجوه .

فإن قيل : قوله تعالى نفعاً مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضر مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك ؟ أجيب : بأن العبادة لما كانت تقع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبار ويخدم مخافة شره بين أنه ليس فيهم ذلك الوجه الذي تحسن لأجله عبادتهم وقوله تعالى : { ونقول } أي : في ذلك الحال من غير إمهال { للذين ظلموا } أي : بوضع العبادة في غير موضعها عند إدخالهم النار { ذوقوا عذاب النار التي كنتم } أي : جبلة وطبعاً { بها تكذبون } عطف على لا يملك فبين المقصود من تمهيده ، فإن قيل : قوله ههنا التي كنتم بها صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار ، وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته أجيب : بأنهم كانوا متلبسين بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله تعالى : { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } ( السجدة : 20 )

فوصف لهم ما لابسوه وهنا لم يلابسوه بعد لأنه عقب حشرهم وسؤالهم فهو أول ما رأوا النار فقيل لهم { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } .