اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يَمۡلِكُ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٖ نَّفۡعٗا وَلَا ضَرّٗا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (42)

ثم بين أن ما كانوا يعبدون لا ينفعهم فقال : { فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } . وهذا الخطاب يحتم أن يكون مع الملائكة{[44771]} لسبق قوله : { أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } وعلى هذا يكون تنكيلاً للكافرين حيث بيّن لهم أن معبودهم لا ينفعهم ولا يضر . ويصحح هذا قوله تعالى : «لا يملكون الشّفاعة إلا لمن ارتضى »{[44772]} .

ولقوله بَعْدَه : { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا } ولو كان المخاطب هم الكفار لقال : «فَذُوفُوا »{[44773]} ويحتمل أن يكون داخلين في الخطاب حتى يصح معنى قوله : { بَعْضُكُمْ لِبَعْضِ } أي الملائكة{[44774]} والجن وإذا لم تملكوها لأنفسكم فلا تملكوها لغيركم ، ويحتمل أن يكون الخطاب والمخاطب هم الكفار لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم وعلى هذا فقوله : { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا } إنما ذكره تأكيداً لبيان حالهم في الظلم .

فإن قيل : قوله «نفعاً » مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضرّ مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك ؟

فالجواب : لما كان العبادة نفع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبَّار ، ويخدم مخافة شره بين أنهم ليس فيهم ذلك الوجه الذي يحسن لأجله عبادتهم .

فإن قيل : قَوْلُه هَهُنَا : «الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا » صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته ؟

فالجواب : قيل : لأنهم هناك كانوا مُلْتَبِسٍين{[44775]} بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله : { كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ السجدة : 20 ] فوصف لهم ما لابسوه وهنا لم يُلاَبِسُوهُ بعد لأنه عقيب حشرهم وسؤالهم فهو أول ما رأوا النار فقيل لهم : هذه النار التي كنتم بها تكذبون{[44776]} .


[44771]:الرازي 25/264و 265.
[44772]:في الفخر الرازي : {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} وقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} والآيتان مختلفتان الأولى من مريم 87 والثانية من الأنبياء 28 فالآيتان مختلفتان. وقد أدخلهما المؤلف في بعضهما.
[44773]:في (ب) ذوقوا بدون الفاء.
[44774]:تصحيح العبارة كما في الفخر الرازي : أي الملائكة والحاضر الواحد يجوز أن يجعل من يشاركه في أمر مخاطبا بسببه ويحتمل أن يكون معهم الجن أي لا يملك بعضكم لبعض أيها الملائكة والجن... الخ.
[44775]:في (ب) متلبسين.
[44776]:وانظر هذا كله في تفسير الرازي 25/265 و 66.