مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَأٓكِلُونَ مِن شَجَرٖ مِّن زَقُّومٖ} (52)

المسألة الثالثة : ما الزقوم ؟ نقول : قد بيناه في موضع آخر واختلف فيه أقوال الناس ومآل الأقوال إلى كون ذلك في الطعم مرا وفي اللمس حارا ، وفي الرائحة منتنا ، وفي المنظر أسود لا يكاد آكله يسيغه فيكره على ابتلاعه ، والتحقيق اللغوي فيه أن الزقوم لغية عربية دلنا تركيبه على قبحه ، وذلك لأن زق لم يجتمع إلا في مهمل أو في مكروه منه مزق ، ومنه زمق شعره إذا نتفه ، ومنه القزم للدناءة ، وأقوى من هذا أن القاف مع كل حرف من الحرفين الباقيين يدل على المكروه في أكثر الأمر ، فالقاف مع الميم قمامة وقمقمة ، وبالعكس مقامق ، الغليظ الصوت والقمقمة هو السور ، وأما القاف مع الزاي فالزق رمي الطائر بذرقه ، والزقزقة الخفة ، وبالعكس القزنوب فينفر الطبع من تركيب الكلمة من حروف اجتماعها دليل الكراهة والقبح ، ثم قرن بالأكل فدل على أنه طعام ذو غضة ، وأما ما يقال بأن العرب تقول : زقمتني بمعنى أطعمتني الزبد والعسل واللبن ، فذلك للمجانة كقولهم : أرشقني بثوب حسن ، وأرجمني بكيس من ذهب ، وقوله : { من شجر } لابتداء الغاية أي تناولكم منه .