{ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } ، وهو شجر كريه المَنْظَر كريه الطعم ، وهو المذكور في سورة «والصَّافَّات » .
وهذا الخطاب عامّ ، وقيل : لأهل «مكة » ، وهو من تمام كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقدم هنا الضَّالين على المكذبين في آخر السورة ، قال : { وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذّبين الضآلين } ، فقدم المكذبين على الضَّالين ؛ لأنهم هنا أصرُّوا على الحنث العظيم فضلوا عن السبيل ، ثم كذبوا الرسول ، وقالوا : «أئذا مِتْنَا » .
وفي آخر السورة قدم المكذبين بالحشر على الضالين عن طريق الخلاص ، أو يقال : إنَّ الكلام هنا مع الكُفَّار وهم ضلوا أولاً ، وكذبوا ثانياً ، وفي آخر السورة الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم فقدم التكذيب به إظهاراً للعناية به صلى الله عليه وسلم{[54926]} .
قوله : { مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } . فيه أوجه{[54927]} :
أحدها : أن تكون «من » الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للبيان ، أي : مبتدئون الأكل من شجر هو زقوم .
الثاني : أن تكون «من » الثَّانية صفة ل «شجر » فيتعلق بمحذوف أي : مستقر .
الثالث : أن تكون الأولى مزيدة ، أي : لآكلون شجراً ، و«من » الثانية على ما تقدم من الوجهين .
الرابع : عكس هذا ، وهو أن تكون الثانية مزيدة ، أي : لآكلون زقُّوماً ، و«من » الأولى للابتداء في محل نصب على الحال من «زقّوم » أي : كائناً من شجر ، ولو تأخَّر لكان صفة .
الخامس : أن «من شجر » صفة لمفعول محذوف ، أي : لآكلون شيئاً من شجر و«مِنْ زقُّومٍ » على هذا نعت ل «شجر » أو لشيءٍ محذوف .
السادس : أن الأولى للتبعيض ، والثانية بدل منها .
قوله : { فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون } .
الضمير في «منها » عائد على الشجر ، وفي «عليه » للشجر أيضاً .
وأنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه ، وأنهما لغتان .
وقيل : الضمير في «عليه » عائد على «الزَّقُّوم » .
وقال ابن عطية : «للمأكول أو الأكل » انتهى{[54928]} .
وقال الزمخشري{[54929]} : «وأنّث ضمير الشجر على المعنى ، وذكره على اللفظ في «منها » و«عليه » ، ومن قرأ{[54930]} : { مِن شَجَرَةٍ مِّن زَقُّومٍ } فقد جعل الضميرين للشجرة ، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم ؛ لأنه تفسيرها » .
قال ابن الخطيب{[54931]} : «اختلفت أقوال الناس في «الزقوم » ، وحاصل الأقوال يرجع إلى كون ذلك في الطَّعم مرًّا ، وفي اللمس حارًّا ، وفي الرائحة منتناً ، وفي المنظر أسود لا يكاد آكله يَسيغهُ .
والتحقيق اللغوي فيه أن الزَّقوم لغة عربية ، ودلنا تركيبه على قبحه ؛ لأن «ز ق م » لم يجتمع إلا في مهمل ، أو في مكروه .
يقال منه : مَزَقَ يَمْزقُ ، ومنه : زَمَقَ شعره إذا نتفه ، ومنه «القَزْمُ » للدَّناءة واللؤم .
وأقوى من هذا أن «القاف » مع كل حرف من الحرفين الباقيين يدل في أكثر الأمر على مكروه ، فالقاف مع «الميم » ك «القمامة والتَّقَمْقُم والقُمْقُمة » ، وبالعكس «المقامق » لتغليظ الصوت ، و«المَقْمَقَة » هو الشق .
وأما القاف مع الزاي ف «الزق » رمي الطائر بذرقه ، والزَّقْزقة : للخفة ، وبالعكس - القزنوب - فينفر الطَّبع من تركيب الكلمة من حروف اجتماعها دليل الكراهة والقُبْح ، ثم قرن بالأكل ، فدلَّ على أنه طعام ذو غُصَّة .
وأما ما يقال : بأن العرب تقول : «زَقَمْتَنِي » بمعنى : أطعمتني الزّبد والعسل واللَّبن ، فذلك للمجانة ، كما يقال : ارشقني بثوب حسن ، وارجمني بكيس من ذهب » .
وقد تقدم الكلام على الزَّقُوم في «والصَّافات » .
وقوله : { فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون } .
بيان لزيادة العذاب ، أي : لا يكتفى منكم بنفس الأكل ، كما يكتفى ممن يأكل الشَّيء لتحلّة القسم ، بل يلزمون منها بأن يملئوا منها البطون .
وقوله : «البُطُون » إما مقابلة الجمع بالجمع ، أي : يملأ كل واحد منكم بطنه .
وإما أن يكون لكل واحد بطون ، ويكون المراد منه ما في بطن الإنسان ، وهم سبعة أمعاء فيملئون بطون الأمعاء ، والأول أظهر ، والثاني أدخل في التعذيب{[54932]} .
قوله : { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } أي : على الأكل ، أو على الزَّقوم لأجل مرارته وحرارته يحتاجون إلى شرب الماء فيشربون من الماء الحار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.