مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

قوله تعالى : { ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }

اعلم أنه تعالى لما ذكر كيفية إنعامه على عباده بالمنافع النباتية أتبعها بذكر إنعامه عليهم بالمنافع الحيوانية . فقال : { ومن الأنعام حمولة وفرشا } وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : «الواو » في قوله : { ومن الأنعام حمولة وفرشا } توجب العطف على ما تقدم من قوله : { وهو الذي أنشأ جنات معروشات } والتقدير : وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ، وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا وكثر أقوالهم في تفسير الحمولة والفرش وأقربها إلى التحصيل وجهان : الأول : أن الحمولة ما تحمل الأثقال والفرش ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش . والثاني : الحمولة -الكبار التي تصلح للحمل ، والفرش- الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض بسبب صغر أجرامها مثل الفرش المفروش عليها .

ثم قال تعالى : { كلوا مما رزقكم الله } يريد ما أحلها لكم . قالت المعتزلة : إنه تعالى أمر بأكل الرزق ، ومنع من أكل الحرام ، ينتج أن الرزق ليس بحرام .

ثم قال : { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } أي في التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعله أهل الجاهلية { خطوات } جمع خطوة وهي ما بين القدمين قال الزجاج : وفي { خطوات الشيطان } ثلاثة أوجه : بضم الطاء وفتحها وبإسكانها ، ومعناه : طرق الشيطان أي لا تسلكوا الطريق الذي يسوله لكم الشيطان .

ثم قال تعالى : { إنه لكم عدو مبين } أي بين العداوة ، أخرج آدم من الجنة ، وهو القائل { لأحتنكن ذريته إلا قليلا } .