اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

قوله -تعالى- { حَمُولَةً وَفَرْشاً } مَنْصُوبان على أنَّهُما نُسِقَا على " جَنَّاتِ " أي : وأنشأ من الأنْعام حَمُولَة ، و " الأنْعَام " قيل : هي من الإبل خَاصَّة ، وقيل : الإبل والبَقَر والغَنَم .

وقيل : ما أحَلَّه الله -تعالى- من الحيوانِ ؛ قاله أحمد بن يَحْيَى{[15403]} ، قال القُرْطُبيُّ : وهذا أصَحُّهَا .

وقال القُرْطُبِي : فَعُولة بفتح الفَاءِ ، إذَا كانت بمعنى الفَاعِل اسْتَوى فيها المُذَكَّر والمؤنَّث ؛ نحو قولك : رَجُل فَرُوقَة للجَبَان والخَائِفِ ، ورجل صَرُورَة وامرأة صرورة إذا لم يَحُجَّا ؛ ولا جَمْع له فإذا كانت بِمَعْنَى المفعول ، فرق بين المُذَكَّر والمؤنَّث بالهاء ، كالحَلُوبة والرَّكُوبة ، والحَمُولة بضم الحاءِ : أحْمَال وأما الحُمُول : بالضَّمِّ بغير هاء فهي الإبل الَّتِي عليها الهَوَادِجُ كان فيها نِساءٌ أو لم يَكُنّ ؛ قاله أبو زَيْد{[15404]} .

والحَمُولة : ما أطاق الحمل عَلَيْه من الإبل ، والفَرْش : صِغَار هذا هو المشْهُور في اللُّغَة .

وقيل الحَمُولة : كبارُ الأنْعَام ، أعني : الإبل والبَقَر والغَنَم ، والفَرْشُ : صغارها قال : " ويدُلُ له أنَّهُ أبدل منه قوله بعد ذلك : " ثَمَانِيَة أزْوَاجٍ من الضَّأنِ " كما سيأتي لأنها دَانِية من الأرْض بسبب صغَر أجْرَامِها مثل الفَرْشِ وهي الأرْض المَفْرُوشُ عليها " .

وقال الزَّجَّاج{[15405]} : أجمع أهْل اللُّغَة على أنّ الفَرْشَ صِغَار الإبل ، وأنشد القَائِل : [ الزجر ]

أوْرَثَنِي حَمُولَةً وَفَرْشَا *** أمُشُّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَشَّا{[15406]}

وقال الآخر : [ الرمل ]

وَحَوَيْنَا الفَرْشَ مِنْ أنْعَامِكُمْ *** والحَمُولاتِ وَربَّاتِ الحِجَالْ{[15407]}

قال أبو زَيْد : " يحتمل أن يكون سُمِّيَتْ بالمَصْدَر ؛ لأن الفَرْشَ في الأصْل مصدر " والفَرْش لفظ مُشْتَرك بين مَعَانٍ كثيرة : منها ما تقدَّم ، ومنها : مَتَاع البَيْت والفَضَاء الوَاسِع ، واتِّسَاع خُفِّ البَعير قليلاً ، والأرْض الملساء ، عن أبي عَمْرو بن العَلاء ، ونباتٌ يلْتَصِق بالأرْضِ ، ومنه قول الشاعر : [ الزجر ]

كَمِشْفَرِ النَّابِ تلُوكُ الفَرْشَا{[15408]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل الحَمُولة : كل ما حُمِل عليه من إبل وبَقَر وبَغْل وحِمَار .

والفَرْشُ هنا : ما اتُّخِذَ من صُوفه ووبَرِه وشَعْرِه ما يُفْتَرشُ ، وأنشدوا للنَّابغة : [ الطويل ]

وَحَلَّتْ بُيُوتِي فِي يَفَاعٍ مُمَنَّعٍ *** تَخَالُ بِهِ راعِي الحَمُولَةِ طَائِرا{[15409]}

وقال عنترة : [ الكامل ]

مَا رَاعَنِي إلاَّ حَمُولَةُ أهْلِهَا *** وَسْط الدِّيار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ{[15410]}

قوله : { كُلُوا ممَّا رزَقُكم اللَّه } يريد : ما أحَلَّها لكم .

قالت المعتزلة{[15411]} : إنه -تبارك وتعالى- أمر بأكْل الرِّزْقِ ، ومنع من أكل الحَرامٍ ينتج أن الرِّزْق ليس بَحَرَام .

ثم قال - تعالى- : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان } أي : التَّحلِيل والتَّحريم من عِنْد أنْفُسكُم ، كما فعله أهْل الجَاهِليَّة ، أي : لا تَسْلكُوا طرائق الشَّيْطَان وأبان " أنه لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ " أي : بيِّن العداوة أخرج آدم من الجنَّة ، وقوله : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] .

قال الزجاج : في خُطُوات الشَّيْطَانِ ثلاثة أوجُه : ضم الطاء{[15412]} ، وفتحها ، وإسكَانها .


[15403]:ينظر: القرطبي 7/73.
[15404]:ينظر: القرطبي 7/73 ـ 74.
[15405]:ينظر: معاني القرآن 2/327.
[15406]:ينظر: القرطبي 7/112، البحر 4/238 الدر المصون 3/200. ومشّ الناقة يمُشّها مَشَّا من باب "نصر" أي: حلبها.
[15407]:ينظر: القرطبي 7/112، البحر 4/237، الدر المصون 3/201، ورواية القرطبي: "وربات الحَجَل".
[15408]:ينظر: اللسان (فرش)، البحر 4/237، الدر المصون 3/201.
[15409]:ينظر: ديوانه ص 69 ـ 70، الكتاب 1/368، شرح أبيات سيبويه 1/30، شرح المفصل 2/54، تخليص الشواهد 437، شرح قطر الندى ص 172 لسان العرب (حمل) الدر المصون 3/201.
[15410]:ينظر: ديوانه (17)، شرح القصائد 327، التهذيب 7/17، تفسير القرطبي 7/112، الدر المصون 3/201.
[15411]:ينظر: الرازي 13/177.
[15412]:ينظر: الرازي 13/177.