الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

قوله تعالى : " ومن الأنعام حمولة وفرشا " عطف على ما تقدم{[6810]} . أي وأنشأ حمولة وفرشا من الأنعام . وللعلماء في الأنعام ثلاثة أقوال : أحدها : أن الأنعام الإبل خاصة ، وسيأتي في " النحل{[6811]} " بيانه . الثاني : أن الأنعام الإبل وحدها ، وإذا كان معها بقر وغنم فهي أنعام أيضا . الثالث : وهو أصحها قال أحمد بن يحيى : الأنعام كل ما أحله الله عز وجل من الحيوان . ويدل على صحة هذا قوله تعالى : " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم{[6812]} " [ المائدة : 1 ] وقد تقدم . والحمولة ما أطاق الحمل والعمل ، عن ابن مسعود وغيره . ثم قيل : يختص اللفظ بالإبل . وقيل : كل ما احتمل عليه الحي من حمار أو بغل أو بعير ، عن أبي زيد ، سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن . قال عنترة :

ما راعني إلا حمولةُ أهلها *** وسْطَ الديار تَسُفُّ حَبَّ الحِمْحِم{[6813]}

وفعولة بفتح الفاء إذا كانت بمعنى الفاعل استوى فيها المؤنث والمذكر ، نحو قولك : رجل فروقة وامرأة فروقة للجبان والخائف . ورجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجا ، ولا جمع له . فإذا كانت بمعنى المفعول فرق بين المذكر والمؤنث بالهاء كالحلوبة والركوبة . والحمولة ( بضم الحاء ) : الأحمال . وأما الحمول ( بالضم بلا هاء ) فهي الإبل التي عليها الهوادج ، كان فيها نساء أو لم يكن ، عن أبي زيد . " وفرشا " قال الضحاك : الحمولة من الإبل والبقر . والفرش : الغنم . النحاس : واستشهد لصاحب هذا القول بقول : " ثمانية أزواج " قال : " فثمانية " بدل من قوله : " حمولة وفرشا " . وقال الحسن : الحمولة الإبل . والفرش : الغنم . وقال ابن عباس : الحمولة كل ما حمل من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير . والفرش : الغنم . وقال ابن زيد : الحمولة ما يركب ، والفرش ما يؤكل لحمه ومحلب ، مثل الغنم والفصلان والعجاجيل ، سميت فرشا للطافة أجسامها وقربها من الفرش ، وهي الأرض المستوية التي يتوطؤها الناس . قال الراجز :

أورثني حمولةً وفرشَا *** أَمُشُّهَا في كل يومٍ مَشَا{[6814]}

وقال آخر :

وحوينا الفَرْشَ من أنعامكم *** والحمولات وربَّاتِ الحَجَل

قال الأصمعي : لم أسمع له بجمع . قال : ويحتمل أن يكون مصدرا سمي به ، من قولهم : فرشها الله فرشا ، أي بثها بثا . والفرش : المفروش من متاع البيت . والفرش : الزرع إذا فرش . والفرش : الفضاء الواسع . والفرش في رجل البعير : اتساع قليل ، وهو محمود . وافترش الشيء انبسط ، فهو لفظ مشترك . وقد يرجع قوله تعالى : " وفرشا " إلى هذا . قال النحاس : ومن أحسن ما قيل فيهما أن الحمولة المسخرة المذللة للحمل . والفرش ما خلقه الله عز وجل من الجلود والصوف مما يجلس ويتمهد . وباقي الآية قد تقدم .


[6810]:من ك.
[6811]:راجع ج 10 ص 68.
[6812]:راجع ج 6 ص 33.
[6813]:الحمحم (بكسر الحاء المهملة ويقال بالخاء): نبات تعلف حبه الإبل.
[6814]:مش الناقة يمشها مشا: حلبها.