مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

قوله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }

في الآية مسائل :

المسألة الأولى قرأ ابن عامر { وأن هذا } بفتح الألف وسكون النون وقرأ حمزة والكسائي { وإن } بكسر الألف وتشديد النون أما قراءة ابن عامر فأصلها { وإنه هذا صراطي } والهاء ضمير الشأن والحديث وعلى هذا الشرط تخفف . قال الأعشى :

في فتية كسيوف الهند قد علموا *** أن هالك كل من يحفي وينتعل

أي قد علموا أنه هالك ، وأما كسر { إن } فالتقدير { أتل ما حرم } وأتل { أن هذا صراطي } بمعنى أقول وقيل على الاستئناف . وأما فتح أن فقال الفراء فتح { أن } من وقوع أتل عليها يعني وأتل عليكم { أن هذا صراطي مستقيما } قال : وإن شئت جعلتها خفضا والتقدير { ذلكم وصاكم به } وبأن هذا صراطي . قال أبو علي : من فتح { أن } فقياس قول سيبويه أنه حملها على قوله : { فاتبعوه } والتقدير لأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه كقوله : { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } وقال سيبويه لأن هذه أمتكم ، وقال في قوله : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } والمعنى ولأن المساجد لله .

المسألة الثانية : القراء أجمعوا على سكون الياء من { صراطي } غير ابن عامر فإنه فتحها وقرأ ابن كثير وابن عامر { سراطي } بالسين وحمزة بين الصاد والزاي والباقون بالصاد صافية وكلها لغات قال صاحب «الكشاف » : قرأ الأعمش { وهذا صراطي } وفي مصحف عبد الله { وهذا صراط ربكم } وفي مصحف أبي { وهذا صراط ربك } .

المسألة الثالثة : أنه تعالى لما بين في الآيتين المتقدمين ما وصى به أجمل في آخره إجمالا يقتضي دخول ما تقدم فيه ، ودخول سائر الشريعة فيه فقال : { وأن هذا صراطي مستقيما } فدخل فيه كل ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام وهو المنهج القويم والصراط المستقيم ، فاتبعوا جملته وتفصيله ولا تعدلوا عنه فتقعوا في الضلالات . وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا ، ثم قال : هذا سبيل الرشد ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا ، ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ؟ ثم تلا هذه الآية : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه } وعن ابن عباس هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب ، من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار .

ثم قال : { ذلكم وصاكم به } أي بالكتاب { لعلكم تتقون } المعاصي والضلالات .

المسألة الرابعة : هذه الآية تدل على أن كل ما كان حقا فهو واحد ، ولا يلزم منه أن يقال : إن كل ما كان واحدا فهو حق ، فإذا كان الحق واحدا كان كل ما سواه باطلا ، وما سوى الحق أشياء كثيرة ، فيجب الحكم بأن كل كثير باطل ، ولكن لا يلزم أن يكون كل باطل كثيرا بعين ما قررناه في القضية الأولى .