مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَـٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (131)

ثم بين تعالى أنهم عند نزول تلك المحن عليهم يقدمون على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم فقال : { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه } قال ابن عباس : يريد بالحسنة العشب والخصب والثمار والمواشي والسعة في الرزق والعافية والسلامة { وقالوا لنا هذه } أي نحن مستحقون على العادة التي جرت من كثرة نعمنا وسعة أرزاقنا ، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروه عليه ويقوموا بحق النعمة فيه . وقوله : { وإن تصبهم سيئة } يريد القحط والجدب والمرض والضر والبلاء { يطيروا بموسى ومن معه } أي يتشاءموا به . ويقولوا إنما أصابنا هذا الشر بشؤم موسى وقومه ، والتطير التشاؤم في قول جميع المفسرين وقوله : { يطيروا } هو في الأصل يتطيروا ، أدغمت التاء في الطاء ، لأنهما من مكان واحد من طرف اللسان وأصول الثنايا وقوله : { ألا إنما طائرهم عند الله } في الطائر قولان :

القول الأول : قال ابن عباس : يريد شؤمهم عند الله تعالى أي من قبل الله أي إنما جاءهم الشر بقضاء الله وحكمه ، فالطائر ههنا الشؤم . ومثله قوله تعالى في قصة ثمود : { قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله } قال الفراء : وقد تشاءمت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فقالوا غلت أسعارنا وقلت أمطارنا مذ أتانا ، قال الأزهري : وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة ، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها ، والتطير ببارحها ، ونعيق غربانها ، وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها ، فسموا الشؤم طيرا وطائرا وطيرة لتشاؤمهم بها .

ثم أعلم الله تعالى على لسان رسوله أن طيرتهم باطلة ، فقال : { لا طيرة ولا هام } وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل ، ولا يتطير . وأصل الفأل الكلمة الحسنة ، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد ، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة قال محمد الرازي رحمه الله : ولا بد من ذكر فرق بين البابين . والأقرب أن يقال : إن الأرواح الإنسانية أصفى وأقوى من الأرواح البهيمية والطيرية . فالكلمة التي تجري على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير ، وحركات البهائم ، فإن أرواحها ضعيفة ، فلا يمكن الاستدلال بها على شيء من الأحوال .

القول الثاني : في تفسير الطائر قال أبو عبيدة : { ألا إنما طائرهم عند الله } أي حظهم . وهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إنما طائرهم ما قضي عليهم وقدر لهم والعرب تقول : أطرت المال وطيرته بين القوم فطار لكل منهم سهمه . أي حصل له ذلك السهم .

واعلم أن على كلا القولين ، المعنى : أن كل ما يصيبهم من خير أو شر فهو بقضاء الله تعالى وبتقديره { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن الكل من الله تعالى ، وذلك لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب المحسوسة ويقطونها عن قضاء الله تعالى وتقديره ، والحق أن الكل من الله ، لأن كل موجود ، فهو إما واجب الوجود لذاته أو ممكن لذاته ، والواجب واحد وما سواه ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذته ، وبهذا الطريق يكون الكل من الله فإسنادها إلى غير الله يكون جهلا بكمال الله تعالى .