مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم} (26)

قوله تعالى : { إن إلينا إيابهم }

وهذا كأنه من صلة قوله : { فيعذبه الله العذاب الأكبر } وإنما ذكر تعالى ذلك ليزيل به عن قلب النبي صلى الله عليه وسلم حزنه على كفرهم ، فقال : طب نفسا عليهم ، وإن عاندوا وكذبوا وجحدوا فإن مرجعهم إلى الموعد الذي وعدنا ، فإن علينا حسابهم ( وفيه سؤال ) : وهو أن محاسبة الكفار إنما تكون لإيصال العقاب إليهم وذلك حق الله تعالى ، ولا يجب على المالك أن يستوفي حق نفسه ( والجواب ) : أن ذلك واجب عليه إما بحكم الوعد الذي يمتنع وقوع الخلف فيه ، وإما في الحكمة ، فإنه لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم لكان ذلك شبيها بكونه تعالى راضيا بذلك الظلم وتعالى الله عنه ، فلهذا السبب كانت المحاسبة واجبة وههنا مسألتان :

المسألة الأولى : قرأ أبو جعفر المدني : { إيابهم } بالتشديد . قال صاحب «الكشاف » : وجهه أن يكون فيعالا مصدره أيب فيعل من الإياب ، أو يكون أصله أوابا فعالا من أوب ، ثم قيل : إيوابا كديوان في دون ، ثم فعل به ما فعل بأصل سيد .

المسألة الثانية : فائدة تقديم الظرف التشديد بالوعيد ، فإن { إيابهم } ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام ، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه ، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .