مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفجر

{ بسم الله الرحمن الرحيم والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر }

اعلم أن هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها لابد وأن يكون فيها إما فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد ، أو فائدة دنيوية توجب بعثا على الشكر ، أو مجموعهما ، ولأجل ما ذكرناه اختلفوا في تفسير هذه الأشياء اختلافا شديدا ، فكل أحد فسره بما رآه أعظم درجة في الدين ، وأكثر منفعة في الدنيا .

أما قوله : { والفجر } فذكروا فيه وجوها ( أحدها ) : ما روي عن ابن عباس أن الفجر هو الصبح المعروف ، فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب ، أقسم الله تعالى به لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضوء ، وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق ، وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم ، وفيه عبرة لمن تأمل ، وهذا كقوله : { والصبح إذا أسفر } وقال في موضع آخر ، { والصبح إذا تنفس } وتمدح في آية أخرى بكونه خالقا له ، فقال : { فالق الإصباح } ومنهم من قال المراد به جميع النهار إلا أنه دل بالابتداء على الجميع ، نظيره : { والضحى } وقوله : { والنهار إذا تجلى } ( وثانيها ) : أن المراد نفسه صلاة الفجر وإنما أقسم بصلاة الفجر لأنها صلاة في مفتتح النهار وتجتمع لها ملائكة النهار وملائكة الليل كما قال تعالى : { إن قرآن الفجر كان مشهودا } أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار القراءة في صلاة الصبح ( وثالثها ) : أنه فجر يوم معين ، وعلى هذا القول ذكروا وجوها ( الأول ) : أنه فجر يوم النحر ، وذلك لأن أمر المناسك من خصائص ملة إبراهيم ، وكانت العرب لا تدع الحج وهو يوم عظيم يأتي الإنسان فيه بالقربان كأن الحاج يريد أن يتقرب بذبح نفسه ، فلما عجز عن ذلك فدى نفسه بذلك القربان ، كما قال تعالى : { وفديناه بذبح عظيم }

( الثاني ) : أراد فجر ذي الحجة لأنه قرن به قوله : { وليال عشر } ولأنه أول شهر هذه العبادة المعظمة ( الثالث ) : المراد فجر المحرم ، أقسم به لأنه أول يوم من كل سنة وعند ذلك يحدث أمورا كثيرة مما يتكرر بالسنين كالحج والصوم والزكاة واستئناف الحساب بشهور الأهلة ، وفي الخبر «أن أعظم الشهور عند الله المحرم » وعن ابن عباس أنه قال : فجر السنة هو المحرم فجعل جملة المحرم فجرا ( ورابعها ) : أنه عنى بالفجر العيون التي تنفجر منها المياه ، وفيها حياة الخلق ،