مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

المسألة الرابعة : في قوله : { إرم } وجهان وذلك لأنا إن جعلناه اسم القبيلة كان قوله : { إرم } عطف بيان لعاد وإيذانا بأنهم عاد الأولى القديمة وإن جعلناه اسم البلدة أو الأعلام كان التقدير بعاد أهل إرم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، كما في قوله : { واسأل القرية } ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة .

المسألة الخامسة : قرأ الحسن : { بعاد إرم } مفتوحين وقرئ : { بعاد إرم } بسكون الراء على التخفيف كما قرئ : { بورقكم } وقرئ : { بعاد إرم ذات العماد } بإضافة { إرم } إلى { ذات العماد } وقرئ : { بعاد إرم ذات العماد } بدلا من { فعل ربك } ، والتقدير : ألم تر كيف فعل ربك بعاد جعل ذات العماد رميما ، أما قوله : { ذات العماد } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : في إعرابه وجهان وذلك لأنا إن جعلنا : { إرم } اسم القبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين يسكنون الأخبية والخيام والخباء لابد فيها من العماد ، والعماد بمعنى العمود . وقد يكون جمع العمد أو يكون المراد بذات العماد أنهم طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وقيل : ذات البناء الرفيع ، وإن جعلناه اسم البلد فالمعنى أنها ذات أساطين أي ذات أبنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الأعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور ، قال تعالى في وصفهم : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } أي علامة وبناء رفيعا .

المسألة الثانية : روي أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها . فسمع بذكر الجنة فقال : أبني مثلها ، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، فلما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا ، وعن عبد الله ابن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوصل إلى جنة شداد فحمل ما قدر عليه مما كان هناك وبلغ خبره معاوية فاستحضره وقص عليه ، فبعث إلى كعب فسأله ، فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر ابن [ أبي ] قلابة فقال : هذا والله هو ذلك الرجل .