مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

الصفة الثالثة : من صفات ذلك اليوم قوله تعالى : { وجيء يومئذ بجهنم } ونظيره قوله تعالى : { وبرزت الجحيم للغاوين } قال جماعة من المفسرين : جيء بها يوم القيامة مزمومة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ، قال الأصوليون : ومعلوم أنها لا تنفك عن مكانها ، فالمراد { وبرزت } أي ظهرت حتى رآها الخلق ، وعلم الكافر أن مصيره إليها ، ثم قال : { يومئذ يتذكر الإنسان } واعلم أن تقدير الكلام : إذا دكت الأرض ، وحصل كذا وكذا فيومئذ يتذكر الإنسان ، وفي تذكره وجوه ( الأول ) : أنه يتذكر ما فرط فيه لأنه حين كان في الدنيا كانت همته تحصيل الدنيا ، ثم إنه في الآخرة يتذكر أن ذلك كان ضلالا ، وكان الواجب عليه أن تكون همته تحصيل الآخرة ( الثاني ) : يتذكر أي يتعظ ، والمعنى أنه ما كان يتعظ في الدنيا فيصير في الآخرة متعظا فيقول : { يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } ( الثالث ) : يتذكر يتوب وهو مروي عن الحسن ، ثم قال تعالى : { وأنى له الذكرى وقد جاءهم رسول مبين }

واعلم أن بين قوله : { يتذكر } وبين قوله : { وأنى له الذكرى } تناقضا فلابد من إضمار المضاف والمعنى ومن أين له منفعة الذكرى .

ويتفرع على هذه الآية مسألة أصولية ، وهي أن قبول التوبة عندنا غير واجب على الله عقلا ، وقالت المعتزلة : هو واجب فنقول : الدليل على قولنا أن الآية دلت ههنا على أن الإنسان يعلم في الآخرة أن الذي يعمله في الدنيا لم يكن أصلح له وإن الذي تركه كان أصلح له ، ومهما عرف ذلك لابد وأن يندم عليه ، وإذا حصل الندم فقد حصلت التوبة ، ثم إنه تعالى نفى كون تلك التوبة نافعة بقوله : { وأنى له الذكرى } فعلمنا أن التوبة لا يجب عقلا قبولها ، فإن قيل القوم : إنما ندموا على أفعالهم لا لوجه قبحها بل لترتب العقاب عليها ، فلا جرم ما كانت التوبة صحيحة ؟ قلنا : القوم لما علموا أن الندم على القبيح لابد وأن يكون لوجه قبحه حتى يكون نافعا وجب أن يكون ندمهم واقعا على هذا الوجه ، فحينئذ يكونون آتين بالتوبة الصحيحة مع عدم القبول فصح قولنا .