مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

قوله تعالى : { أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون }

اعلم أن الله تعالى لما بين أن الذين في قلوبهم مرض يموتون وهم كافرون ، وذلك يدل على عذاب الآخرة ، بين أنهم لا يتخلصون في كل عام مرة أو مرتين عن عذاب الدنيا وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ حمزة { أو لا ترون } بالتاء على الخطاب للمؤمنين ، والباقون بالياء خبرا عن المنافقين ، فعلى قراءة المخاطبة ، كان المعنى أن المؤمنين نبهوا على إعراض المنافقين عن النظر والتدبر ، ومن قرأ على المغايبة ، كان المعنى تقريع المنافقين بالإعراض عن الاعتبار بما يحدث في حقهم من الأمور الموجبة للاعتبار .

المسألة الثانية : قال الواحدي رحمه الله : قوله : { أو لا يرون } هذه ألف الاستفهام دخلت على واو العطف ، فهو متصل بذكر المنافقين ، وهو خطاب على سبيل التنبيه قال سيبويه عن الخليل في قوله : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء } المعنى : أنه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا .

المسألة الثالثة : ذكروا في هذه الفتنة وجوها : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما يمتحنون بالمرض في كل عام مرة أو مرتين ، ثم لا يتوبون من ذلك النفاق ولا يتعظون بذلك المرض ، كما يتعظ بذلك المؤمن إذا مرض ، فإنه عند ذلك يتذكر ذنوبه وموقفه بين يدي الله ، فيزيده ذلك إيمانا وخوفا من الله ، فيصير ذلك سببا لاستحقاقه لمزيد الرحمة والرضوان من عند الله . الثاني : قال مجاهد : { يفتنون } بالقحط والجوع . الثالث : قال قتادة : يفتنون بالغزو والجهاد فإنه تعالى أمر بالغزو والجهاد فهم إن تخلفوا وقعوا في ألسنة الناس باللعن والخزي والذكر القبيح ، وإن ذهبوا إلى الغزو مع كونهم كافرين كانوا قد عرضوا أنفسهم للقتل وأموالهم للنهب من غير فائدة . الرابع : قال مقاتل : يفضحهم رسول الله بإظهار نفاقهم وكفرهم قيل : إنهم كانوا يجتمعون على ذكر الرسول بالطعن فكان جبريل عليه السلام ينزل عليه ويخبره بما قالوه فيه ، فكان يذكر تلك الحادثة لهم ويوبخهم عليها ، ويعظهم فما كانوا يتعظون ، ولا ينزجرون .