روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلَّيۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظۡلِمُونَ} (37)

{ وَءايَةٌ لَّهُمُ الليل } بيان لقدرته تعالى الباهرة في الزمان بعدما بينها سبحانه في المكان ، و { ءايَةً } خبر مقدم و { الليل } مبتدأ مؤخر وقوله تعالى : { نَسْلَخُ مِنْهُ النهار } استئناف لبيان كونه آية ، وفي التركيب احتمالات أخر تعلم مما مر إلا أن الأرجح ما ذكر أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل وموضع إلقاء ظله وظلمته وهو الهواء النهار عبارة عن الضوء إما على التجوز أو على حذف المضاف ، وقوله تعالى : { مِنْهُ } على حذف مضاف وذلك لأن النهار والليل عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق وتحته ولا معنى لكشف أحدهما عن الآخر وأصل السلخ كشط الجلد نحو الشاة فاستعير لكشف الضوء عن مكان الليل وملقى ظلمته وظله استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر فإنه يترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل ، وجوز أن يكون في النهار استعارة مكنية وفي السلخ استعارة تخييلية والجمهور على ما ذكرنا ومن ابتدائية ، وقيل : تبعيضية وجعلها سببية ليس بشيء ، وهذا التفسير محكي عن الفراء ونحوه تفسير السلخ بالنزع ، واستعمال الفاء في قوله تعالى : { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } أي داخلون في الظلام كما يفيده همزة الأفعال عليه ظاهر ، ووقع في عبارة الشيخ عبد القاهر والإمام السكاكي أن المستعار له في الآية ظهور النهار من ظلمة الليل والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وذلك على ما قال العلامة الطيبي والفاضل اليمني مأخوذ من قول الزجاج معنى نسلخ منه النهار نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارتهما بمعنى الخروج وهو يتعدى بمن فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن .

وقد جاء بهذا المعنى كما في قول عمر لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنهما اظهر بمن معك من المسلمين إليها أي الأرض يعني أخرج إلى ظاهرها ، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها كان صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ولم يظهر الفيء بعد من الحجرة أي لم يخرج إلى ظاهرها فسقط ما أورد عليه من أنه لو أريد الظهور لقيل { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } ولم يقل { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } لأن الواقع عقيب ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الأظلام من غير حاجة إلى حمل العبارة على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار ، وبعضهم رفع هذا الإيراد بأن النهار عبارة عن مجموع المدة من طلوع الفجر أو الشمس إلى الغروب لا عن بعضها فالواقع عقيب هذه المدة كلها الدخول في الظلام . وتعبه السالكوتي بأن الدخول في الظلام مترتب على السلخ لا على انقضاء مدة النهار .

ولعل مراد البعض أن السلخ بمعنى ظهور النهار لا يتحقق إلا بظهور كل أجزائه ومتى ظهرت أجزاء النهار كلها انقضت مدته ، وذكر العلامة القطب أن السلخ قد يكون بمعنى النزع نحو سلختا الأهاب عن الشاة وقد يكون بمعنى الإخراج نحو سلخت الشاة من الأهاب والشاة مسلوخة فذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكي إلى الثاني وغيرهما إلى الأول فاستعمال الفاء في { فإذا هم } ظاهر على قول الغير وأما على قولهما فإنما يصح من جهة أنها موضوعة لما يعد في العادة مرتباً غير متراخ وهذا يختلف باختلاف الأمور والعادات فقد يطول الزمان والعادة في مثله تقتضي عدم اعتبار المهلة وقد يكون بالعكس كما في هذه الآية فإن زمان النهار وإن توسط بين إخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم دخول الظلام بعد إضاءة النهار وكونه مما ينبغي أن لا يحصل إلا في أضعاف ذلك الزمان عد الزمان قريباً وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة .

ثم لا يخفى أن إذا المفاجأة إنما تصح إذا جعل السلخ بمعنى الإخراج كما يقال : أخرج النهار من الليل ففاجأه دخول الليل فإنه مستقيم بخلاف ما إذا جعل بمعنى النزع فإنه لا يستقيم أن يقال : نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام كما لا يستقيم أن يقال كسرت الكوز ففاجأه الانكسار لأن دخولهم في الظلام عين حصول الظلام فيكون نسبة دخولهم في الظلام إلى نزع ضوء النهار كنسبة الانكسار إلى الكسر فلهذا جعلا السلخ بمعنى الإخراج دون النزع اه كلامه ، وقواه العلامة الثاني بأنه لا شك أن الشيء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب واستعجاب بحيث يفتقر إلى نوع اقتدار وذلك إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار لا عقيب زوال ضوء النهار .

وقال السالكوتي : إن عدم استقامة المفاجأة فيما ذكر لأنها إنما تتصور فيما لا يكون مترقباً بل يحصل بغتة وحينئذ يمكن أن يقال في الجواب : إن نزع الضوء عن الليل لكون ظهوره في غاية الكمال كان المترقب فيه أن يكون في مدة مديدة فحصول الظلال بعده في مدة قصيرة أمر غير مترقب ثم قال وبهذا ظهر الجواب عن التقوية ، وقيل إن الظلمة لكونها مما تنفر عنها الطباع وتركها النفوس يكون حصولها كأنه غير مترتقب ويكفي نفس السلخ في الدلالة على الاقتدار ، والذي يقتضيه ما سبق عن الطيبي واليمني أن الشيخ والسكاكي أرادا إخراج النهار من الليل إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوئه كما قال الزجاج ، ومآله إزالة ضوء النهار من مكان الليل وموضع ظلمته كما قال الفراء ، وجاء في كلامهم الظهور بمعنى الزوال كما في قول أبي ذؤيب :

وعيرها الواشون أنى أحبها *** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وحكى الجوهري . يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره أي زائل . وقال المرزوقي في قول الحماسي :

وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر *** أيضاً كذلك فلا مانع من أن يكون في كلام الشيخين بهذا المعنى ويراد بالظهور الإظهار ، والتعبير به مساهلة لظهور أن نسلخ متعد فيرجع الأمر إلى الإزالة فيتحد كلامهما بما قاله الفراء وكذا على ما قيل المراد بالظهور الخروج على وجه المفارقة لظهور الزوال فيه حينئذ وأمر المساهلة على حاله ، وعلى القول بالاتحاد يجيء اعتراض العلامة والجواب هو الجواب فتأمل والله تعالى الهادي إلى الصواب .

وفي الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طارئ عليها يسترها بضوئه وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضاً ، روى الإمام أحمد . والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نور اهتدى ومن أخطأه ضل . »

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلَّيۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظۡلِمُونَ} (37)

قوله تعالى : { وآية لهم } : تدل على قدرتنا ، { الليل نسلخ } : ننزع ونكشط ، { منه النهار فإذا هم مظلمون } : داخلون في الظلمة ، ومعناه : نذهب بالنهار ونجيء بالليل ، وذلك أن الأصل هي الظلمة ، والنهار داخل عليها ، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل ، فتظهر الظلمة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلَّيۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظۡلِمُونَ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وآية لهم}: من علامة الرب لأهل مكة إذ لم يروه.

{الليل نسلخ منه النهار}:ننزع.

{فإذا هم مظلمون} بالليل، مثل قوله عز وجل: {الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} [الأعراف:175]...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضا على قدرة الله على فعل كل ما شاء "اللّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النّهارَ "يقول: ننزع عنه النهار. ومعنى {منه} في هذا الموضع: عنه، كأنه قيل: نسلَخ عنه النهار، فنأتي بالظلمة ونذهب بالنهار. ومنه قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِي آتَيْناهُ فانْسَلَخَ مِنْها} أي: خرج منها وتركها، فكذلك انسلاخ الليل من النهار. وقوله: {فإذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} يقول: فإذا هم قد صاروا في ظلمة بمجيء الليل. وقال قتادة في ذلك ما: حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

في ذلك آيات من وجوه:

أحدها: آية القدرة على البعث والإحياء عند الموت.

والثاني: آية الوحدانية له والألوهية.

والثالث: آية العلم الذاتي له والتدبير الأزلي.

أما دلالة البعث فهو ما ذكر من جعل ما هو ليل نهارا، ومن جعل ما هو نهار ليلا بعد ذهاب أثر هذا بكلّيته، حتى لا يبقى منه شيء،ومجيء الآخر وانتزاع هذا من هذا، وإدخاله في الآخر، دلالة أنه قادر بذاته، لا يعجزه شيء، له قدرة ذاتية لا مكتسبة مستفادة، فمن قدر على هذا قادر على الإحياء بعد الموت، [إذ الإحياء بعد الموت] ليس بأبعد مما ذكرنا من جعل الليل نهارا وجعل النهار ليلا.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لما استدل الله بأحوال الأرض وهي المكان الكلي، استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلي؛ فإن دلالة المكان والزمان مناسبة؛ لأن المكان لا تستغني عنه الجواهر والزمان لا تستغني عنه الأعراض؛ لأن كل عرض فهو في زمان ومثله مذكور في قوله تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} ثم قال بعده: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} حيث استدل بالزمان والمكان هناك أيضا، لكن المقصود أولا هناك إثبات الوحدانية بدليل قوله تعالى: {لا تسجدوا للشمس} ثم الحشر بدليل قوله تعالى: {إن الذي أحياها لمحيي الموتى} وههنا المقصود أولا إثبات الحشر؛ لأن السورة فيها ذكر الحشر أكثر، يدل عليه النظر في السورة، وهناك ذكر التوحيد أكثر بدليل قوله تعالى فيه: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} إلى غيره وآخر السورتين يبين الأمر، وفيه مسائل:

...

المسألة الثانية: لو قال قائل إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فلم اختار الليل حيث قال: {وآية لهم الليل}؟ نقول لما استدل بالمكان الذي هو المظلم وهو الأرض وقال: {وآية لهم الأرض} استدل بالزمان الذي فيه الظلمة وهو الليل ووجه آخر: وهو أن الليل فيه سكون الناس وهدوء الأصوات وفيه النوم وهو كالموت ويكون بعده طلوع الشمس كالنفخ في الصور فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض: {وآية لهم الأرض الميتة} فذكر من الزمانين أشبههما بالموت كما ذكر من المكانين أشبههما بالموت.

المسألة الثالثة: ما معنى سلخ النهار من الليل؟ نقول معناه تمييزه منه يقال انسلخ النهار من الليل إذا أتى آخر النهار ودخل أول الليل وسلخه الله منه فانسلخ هو منه، وأما إذا استعمل بغير كلمة من فقيل سلخت النهار أو الشمس فمعناه دخلت في آخره، فإن قيل فالليل في نفسه آية فأية حاجة إلى قوله: {نسلخ منه النهار}؟ نقول الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه، ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها، وقوله: {فإذا هم مظلمون} أي داخلون في الظلام، وإذا للمفاجأة أي ليس بيدها بعد ذلك أمر ولا بد لهم من الدخول فيه.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

في الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طارئ عليها يسترها بضوئه، وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضاً، روى الإمام أحمد. والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نور اهتدى ومن أخطأه ضل».

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

مشهد قدوم الليل، والنور يختفي والظلمة تغشى.. مشهد مكرور، يراه الناس في كل بقعة في خلال أربع وعشرين ساعة [فيما عدا بعض المواقع التي يدوم فيها النهار كما يدوم فيها الليل أسابيع وأشهراً قرب القطبين في الشمال والجنوب] وهو مع تكراره اليومي عجيبة تدعو إلى التأمل والتفكير.

والتعبير القرآني عن هذه الظاهرة -في هذا الموضع- تعبير فريد. فهو يصور النهار متلبساً بالليل؛ ثم ينزع الله النهار من الليل فإذا هم مظلمون. ولعلنا ندرك شيئاً من سر هذا التعبير الفريد حين نتصور الأمر على حقيقته. فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس تمر كل نقطة منها بالشمس؛ فإذا هذه النقطة نهار؛ حتى إذا دارت الأرض وانزوت تلك النقطة عن الشمس، انسلخ منها النهار ولفها الظلام -وهكذا تتوالى هذه الظاهرة على كل نقطة بانتظام وكأنما نور النهار ينزع أو يسلخ فيحل محله الظلام. فهو تعبير مصور للحقيقة الكونية أدق تصوير.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

قوله تعالى {وَآيَةٌ لَّهُمُ} يعني: خاصة بهم، وليست آية للكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم آمن بفطرته، ولم يكن بحاجة إلى دليل ليؤمن، كذلك المؤمن لا يبحث عن الدليل إلا ليردَّ به على مَنْ ينكر...

وقوله سبحانه: {نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} السلخ كَشْط الجلد عن الشاة، فما العلاقة بين هذه المسألة وضوء الليل والنهار؟ قالوا: الأصل في الشيء الظلمة، ولا تظهر الظلمة إلا بمنير طارئ، فالليل ظلمة، ثم يأتي ضوء النهار فيستر هذه الظلمة، فكأن النهار حينما يأتي يستر الظلمة كما يستر جلد الشاة لحمها، فإذا ما أراد الحق سبحانه أنْ يأتي الظلام يخلع الضوء، كما نسلخ جلد الشاة عن لحمها.

إذن: فالليل يأتي على طبيعته لأنه الأصل؛ لذلك قال سبحانه: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} فالظلام عدم نور، أما النور فإيجاد، ويحتاج إلى آلة جديدة، فلو ترك الليل لحاله لظلَّ مظلماً، ولولا آلة الضوء لظلَّ ليلاً، إذن: للضوء آلة. أما الظلام فليس له آلة حينما تعمل يأتي الظلام، أو قُلْ الظلام أمره عدمي، أما الضوء فأمره وجودي، فإذا قيل: نسلخ منه النهار فقد شبه الضوء الذي يغطي الظلام بالجلد الذي يغطي لحم الشاة.

والمعنى: نذهب بهذا الغلاف الضوئي الذي يستر الليل، فيحلّ الظلام أي: يظهر على طبيعته ومن تلقاء نفسه؛ لذلك جاء الأداء القرآني بإذا الدالة على المفاجأة {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} فكأن المسألة تلقائية لا تحتاج إلى ترتيب.