اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلَّيۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظۡلِمُونَ} (37)

قوله : { وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل } كقوله : { وآية لهم الأرض } و{ نَسْلَخُ } استعارة بديعة{[46180]} شبه انكشاف ظُلْمَةِ الليل بكَشْطِ الجِلْد عن الشَّاة لما استدل تعالى بأحوال الأرض وهو المكان الكلِّيُّ ، استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكُلِّيُّ ؛ فإن دلالة الزمان والمكان متناسبة{[46181]} ؛ لأن المكانَ لا يستغني عنه الجواهر ، والزمان لا يستغني عنه الأعراض ؛لأن كل عرض فهو في زمان .

فإن قيل : إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فَلِمَ خَصَّ الدليل ؟ ! .

فالجواب : أنه لما استدل بالمكان المظلم وهو الأرض استدل بالزَّمَان المُظْلِم وهو الليل . ووجه آخر وهو أن اللَّيْلَ فيه سكون ( الناس ){[46182]} وهدوء الأصوات وفيه النَّوْم وهو الموت الأصغر ، فيكون بعد طلوع الفَجْرِ كالنفخ في الصور ، فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض : { وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة } [ يس : 33 ] وذكر من الزمان{[46183]} أشبههما{[46184]} بالموت كما ذكر في المكان{[46185]} أشْبَهَهُمَا بالموت .

فإن قيل : الليل بنفسه آية فأيُّ حاجة إلى قوله : { نَسْلَخُ مِنْهُ النهار } ؟ .

فالجواب : أن الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه ؛ ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها .

قوله : { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } أي :داخلون في الظلام كقوله : «مُصْبِحِينَ »{[46186]} . و { إذَا } للمفاجأة ؛ أي : ليس لهم بعد ذلك أمرٌ لا بد لهم من الدخول فيه .


[46180]:ذكرها الزمخشري في كشافه 3/322 وأبو حيان في بحره 7/335 والسمين في دره المصون 4/517.
[46181]:في الرازي مناسبة وكلاهما قريبان وانظر: الفخر الرازي 26/68و 69 والبحر المحيط 7/335 وزاد المسير 7/26و 17 والجامع لأحكام القرآن 15/26.
[46182]:سقط من نسخة "ب".
[46183]:كذا في النسختين وفي الرازي :فذكر من الزمانين بالتثنية.
[46184]:في "ب" أشبهه.
[46185]:في الرازي: المكانين.
[46186]:الآية 66 من الحجر و 83 منها و 137 من الصافات و 17 من القلم و 21 منها.