روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ} (4)

{ وَلَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى } لما أنها باقية صافية عن الشوائب على الإطلاق وهذه فانية مشوبة بالمضار وما أوتي عليه الصلاة والسلام من شرف النبوة وإن كان مما لا يعادله شرف ولا يدانيه فضل لكنه لا يخلو في الدنيا عن بعض العوارض القادحة في تمشية الأحكام مع أنه عندما أعد له عليه الصلاة والسلام في الآخرة من السبق والتقدم على كافة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يوم الجمع يوم يوم النار لرب العالمين وكون أمته صلى الله عليه وسلم شهداء على سائر الأمم ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الكرامات السنية التي لا تحيط بها العبارات وتقصر دونها الإشارات بمنزلة بعض المبادي بالنسبة إلى المطالب كذا في الأرشاد والاختصاص الذي تقتضيه اللام قيل إضافي على معنى اختصاصه عليه الصلاة والسلام بخيرية الآخرة دون من آذاه وشمت بتأخير الوحي عنه صلى الله عليه وسلم ولا مانع من عمومه لجميع الفائزين كيف وقد علم بالضرورة أن الخير المعد له عليه الصلاة والسلام خير من المعد لغيره على الإطلاق ويكفي في ذلك اختصاص المقام المحمود به صلى الله عليه وسلم على أن اختصاص اللام ليس قصرياً كما قرر في موضعه وحمل الآخرة على الدار الآخرة المقابلة للدنيا والأولى على الدار الأولى وهي الدنيا هو الظاهر المروى عن أبي إسحق وغيره وقال ابن عطية وجماعة يحتمل أن يراد بهما نهاية أمره صلى الله عليه وسلم وبدايته فاللام فيهما للعهد أو عوض عن المضاف إليه أي لنهاية أمرك خير من بدايته لا تزال تتزايد قوة وتتصاعد رفعة وفي بعض الأخبار المرفوعة ما هو أظهر في الأول أخرج الطبراني في «الأوسط » والبيهقي في «الدلائل » عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عرض على ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني فأنزل الله تعالى وللآخرة خير لك من الأولى " ثم أن ربط الآية بما قبلها على الوجه الذي سمعت هو ما اختاره غير واحد من الأجلة وجوز أن يقال فيه أنه لما نزل { ما ودعك ربك وما قلى } [ الضحى : 3 ] حصل له عليه الصلاة والسلام به تشريف عظيم فكأنه صلى الله عليه وسلم استعظم ذلك فقيل له وللآخرة خير لك من الأولى على معنى أن هذا التشريف وإن كان عظيماً إلا أن مالك عند الله تعالى في الآخرة خير وأعظم وجوز أيضاً أن يكون المعنى إنقطاع الوحي لا يجوز أن يكون لما يتوهمون لأنه عزل عن النبوة وهو مستحيل في الحكمة بل أقصى ما في الباب أن يكون ذلك لأنه حصل الاستغناء عن السالة وذلك إمارة الموت فكأنه تعالى قال انقطاع الوحي متى حصل دل على الموت لكن الموت خير لك فإن مالك عند الله تعالى في الآخرة أفضل مما لك الدنيا وهذا كما ترى دون ما قبله بكثير والمتبادر مما قرروه أن الجملة مستأنفة واللام فيها ابتدائية وقد صرح جمع بأنها كذلك في قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ( 5 )

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ وللآخرة } يعني الجنة { خير لك من الأولى } يعني من الدنيا ، يعني أنه قد دنت القيامة والآخرة خير لك من الدنيا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره : وللدار الآخرة ، وما أعدّ الله لك فيها ، خير لك من الدار الدنيا وما فيها يقول : فلا تحزن على ما فاتك منها ، فإن الذي لك عند الله خير لك منها ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يقول : مع ما أعطيتك في الدنيا من الشرف والذكر والغلبة على الفراعنة ، فالآخرة خير لك من الأولى ، يرغبه في الآخرة ، ويزهده في الدنيا ، أو يقول : إن أولى لك أن يكون سعيك للآخرة من الأولى ، ...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

لأن الله يعطيك فيها الكرامات والدرجات...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : كيف اتصل قوله : { وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى } بما قبله ؟ قلت : لما كان في ضمن نفي التوديع والقلي : أنّ الله مواصلك بالوحي إليك ، وأنك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجلّ منه : أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل ، وهو السبق والتقدّم على جميع أنبياء الله ورسله ، وشهادة أمته على سائر الأمم ، ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته ، وغير ذلك من الكرامات السنية . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

يحتمل أن يريد الدارين الدنيا والآخرة ، وهذا تأويل ابن إسحاق وغيره ، ويحتمل أن يريد حاليه في الدنيا قبل نزول السورة وبعدها، فوعده الله تعالى على هذا التأويل بالنصر والظهور ، وكذلك قوله تعالى : { ولسوف يعطيك ربك } الآية...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ وللآخرة } أي التي هي المقصود من الوجود بالذات لأنها باقية خالصة عن شوائب الكدر أو الحالة المتأخرة لك ليفهم منه أنه لا يزال في ترق من عليّ إلى أعلى منه وكامل إلى أكمل منه دائماً أبداً لا إلى نهاية { خير } وقيد بقوله : { لك } لأنه ليس كل أحد كذلك { من الأولى } أي الدنيا الفانية التي لا سرور فيها خالص كما أن النهار الذي هو بعد الليل خير منه وأشرف ولا سيما الضحى منه ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( وللآخرة خير لك من الأولى ) . . فهو الخير أولا وأخيرا . . ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة : { والضحى } [ الضحى : 1 ] فهو كلام مبتدأ به ، والجملة معطوفة على الجمل الابتدائية وليست معطوفة على جملة جواب القسم بل هي ابتدائية فلما نُفي القِلى بشّر بأن آخرته خير من أولاه ، وأن عاقبته أحسن من بدأته ، وأن الله خاتم له بأفضل مما قد أعطاه في الدنيا وفي الآخرة .

وما في تعريف « الآخرة » و { الأولى } من التعميم يجعل معنى هذه الجملة في معنى التذييل الشامل لاستمرار الوحي وغير ذلك من الخير .

والآخرة : مؤنث الآخرِ ، و { الأولى } : مؤنث الأوَّل ، وغلب لفظ الآخرة في اصطلاح القرآن على الحياة الآخرة وعلى الدار الآخرة كما غلب لفظ الأولى على حياة الناس التي قبل انخرام هذا العالم ، فيجوز أن يكون المراد هنا من كلا اللفظين كِلا معنييه فيفيد أن الحياة الآخرة خير له من هذه الحياة العاجلة تبشيراً له بالخيرات الأبدية ، ويفيد أن حالاته تجري على الانتقال من حالة إلى أحسن منها ، فيكون تأنيث الوصفين جارياً على حالتي التغليب وحالتي التوصيف ، ويكون التأنيث في هذا المعنى الثاني لمراعاة معنى الحالة .

ويومئ ذلك إلى أن عودة نزول الوحي عليه هذه المرة خير من العودة التي سبقت ، أي تكفل الله بأن لا ينقطع عنه نزول الوحي من بعد .

فاللام في « الآخرة » و { الأولى } لام الجنس ، أي كُلّ آجل أمره هو خير من عاجله في هذه الدنيا وفي الأخرى .

واللام في قوله : { لك } لام الاختصاص ، أي خير مختص بك وهو شامل لكل ما له تعلق بنفس النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته وفي دِينه وفي أمته ، فهذا وعد من الله بأن ينشر دين الإِسلام وأن يمكِّن أمته من الخيرات التي يأملها النبي صلى الله عليه وسلم لهم . وقد روى الطبراني والبيهقي في « دلائل النبوة » عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني فأنزل الله تعالى : { وللآخرة خير لك من الأولى } "