روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

وقوله تعالى :

{ ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ } الخ جواب القسم وودع من التوديع وهو في الأصل من الدعة وهو أن تدعو للمسافر بأن يدفع الله تعالى عنه كآبة السفر وأن يبلغه الدعة وخفض العيش كما أن التسليم دعاء له بالسلامة ثم صار متعارفاً في تشييع المسافر وتركه ثم استعمل في الترك مطلقاً وفسر به هنا أي ما تركك ربك وفي البحر والكشاف التوديع مبالغة في الودع أي الترك لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك قيل وعليه يلزم أن يكون المنفي الترك المبالغ فيه دون أصل الترك مع أن الظاهر نفى ذلك فلا بد من أن يقال إنه إنما نفى ذلك لأنه الواقع في كلام المشركين الذي نزلت له الآية أو أن المبالغة تعود على النفي فيكون المراد المبالغة في النفي لا نفي المبالغة وقد ذكروا نظير هذين الوجهين في قوله تعالى : { وما ربكَ بظلام لّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] فتدبر وقيل : إن المعنى ما قطعك قطع المودع على أن التوديع مستعار استعارة تبعية للترك وفهي من اللطف والتعظيم ما لا يخفى فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته كما قال المتنبي :

حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا *** فلم أدر أي الظاعنين أشيع

وحقيقة التوديع المتعارف غير متصورة ههنا وتعقب بأنه على هذا لا يكون رداً لما قاله المشركون لأنهم لم يقولوا ودعه ربه على هذا المعنى كيف وهم بمعزل عن اعتقاد كونه عليه الصلاة والسلام بالمحل الذي هو صلى الله عليه وسلم فيه من ربه سبحانه وقيل في الجواب أنه يجوز أن يدل ودعه ربه على ذلك إلا أنهم قاتلهم الله تعالى قالوه على سبيل التهكم والسخرية وحين رد عليهم قصد ما يشعر به اللفظ على التحقيق وقيل إن الترك مطلق في كلامهم والظاهر من حال أنهم لم يريدوا الماهية من حيث هي ولا من حيث تحققها في ضمن ما لا يخل بشريف مقامه عليه الصلاة والسلام بل الماهية من حيث تحققها في ضمن ما يخل بذلك ولما كان المقصود إيناسه صلى الله عليه وسلم وإزالة وحشته عليه الصلاة والسلام جيء بما يتضمن نفي ما زعموه على أبلغ وجه كأنه قيل إن هذا النوع الغير المخل بمقامك من الترك لم يكن فضلاً عما زعموه من الترك المخل بعزيز مقامك وعندي أن الظاهر أن ذلك القول بأي معنى كان صادر على سبيل التهكم إذا كان المراد بالرب هو الله عز وجل وكان القائل من المشركين كما لا يخفى على المتأمل وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة ما ودعك بالتخفيف وهي على ما قال ابن جني قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وخرجت على أن ودع مخفف ودع ومعناه معناه قال في «القاموس » ودعه كوضعه وودع بمعنى وقيل ليس بمخففة بل هو فعل برأسه بمعنى ترك وأنه يعكر على قول النحاة أماتت العرب ماضي يدع ويذر ومصدرهما واسم فاعلهما واسم مفعولهما واستغنوا بما ليترك من ذلك وفي المغرب أن النحاة زعموا أن العرب أماتت ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم أفصحهم وقد قال عليه الصلاة والسلام لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات وقرأ ما ودعك وقال أبو الأسود

: ليت شعري عن خليلي ما الذي *** غاله في الحب حتى ودعه

ومثله قول آخر

: وثم ودعنا إل عمرو وعامر *** فرائس أطراف المثقفة السمر

وهو دليل أيضاً على استعمال ودع وهو بمعنى ترك المتعلق بمفعولين فلا تغفل وفي الحديث «اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم » وفي المستوفي أن كل ذلك قد ورد في كلام العرب ولا عبرة بكلام النحاة وإذا جاء نهر الله بطن نهر معقل نعم وروده نادر وقال الطيبي بعد أن ذكر ورود نظماً ونثراً إنما حسن هذه القراءة الموافقة بين الكلمتين يعني هذه وما بعدها كما في حديث الترك والحبشة لأن رد العجز على الصدر وصنعة الترصيع قد جبرا منه وقيل إن القائلين إنما قالوا ودعه ربه بالتخفيف فنزلت فيكون المحسن له قصد المشاكلة لما قالوه وهم تكلموا بغير المعروف طيرة منهم كان غير المعروف من اللفظ مما يتشاءم به من الفأل الرديء أو أنهم لما قصدوا السخرية حسن استعمال اللفظ وقد قالوا يحسن استعمال الألفاظ الغريبة ونحوها في الهجاء فلا يبعد أن يكون في السخرية كذلك والحق أنه بعد ثبوت وروده لا يحتاج إلى تكلف محسن له والظاهر أن المراد بالرب هو الله عز وجل وفي التعبير عنه بعنوان الربوبية وإضافته إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من اللطف ما لا يخفى فكأنه قيل ما تركك المتكفل بمصلحتك والمبلغ لك على سبيل التدريج كمالك اللائق بك { وَمَا قلى } أي وما أبغضك وحذف المفعول لئلا يواجه عليه الصلاة والسلام بنسبة القلى وإن كانت في كلام منفي لطفاً به صلى الله عليه وسلم وشفقة عليه عليه الصلاة والسلام أو لنفي صدوره عنه عز وجل بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم ولأحد من أصحابه ومن أحبه صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة أو للاستغناء عنه بذكره من قبل مع أن فيه مراعاة للفواصل واللغة المشهورة في مضارع قلى يقلي كيرمي وطيىء تقول يقل بفتح العين كيرضى وتفير القلى بالبغض شائع وفي القاموس من الواوي قلا زيداً قلا وقلاه أبغضه ومن اليائي قلاه كرماه ورضيه قلى وقلاء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر وقليه في البغض وفي مفرد ات الراغب القلي شدة البغض يقال قلاه يقلوه ويقليه فمن جعله من الواوي فهو من القلو أي الرمي من قولهم قلت الناقة براكبها قالوا وقلوت بالقلة فكان المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ومن جعله من اليائي فمن قليت اليسر والسويق على المقلاة انتهى وبينهما مخالفة لا تخفى وعلى اعتبار شدة البغض فالظاهر أن ذلك في الآية ليس إلا لأنه الواقع في كلامهم قال المفسرون أبطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد قلاه ربه وودعه فأنزل الله تعالى ذلك وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال لما نزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } [ المسد : 1 ] الخ قيل لامرأة أبي لهب أم جميل أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد هجاك فاتته عليه الصلاة والسلام وهو صلى الله عليه وسلم جالس في الملا فقالت يا محمد علام تهجوني قال إني والله ما هجوتك ما هجاك إلا الله تعالى فقالت هل رأيتني أحمل حطباً أو في جيدي حبلاً من مسد ثم انطلقت فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينزل عليه فاتته فقالت ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك فأنزل الله تعالى ذلك وأخرج الترمذي وصححه وابن أبي حاتم واللفظ له عن جندب البجلي قال رمى صلى الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال

: ما أنت إلا اصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت

فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم فقالت له امرأة ما أرى شيطانك إلا قد تركك وفي رواية للترمذي أيضاً والإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وجماعة بلفظ اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً فأنزل الله تعالى والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وليس فيه حديث المرأة ولا الحجر والرجز وذلك لا يطعن في صحته وقال جمع من المفسرين أن اليهود سألوه عليه الصلاة والسلام عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن قصة ذي القرنين فقال عليه الصلاة والسلام سأخبركم غداً ولم يستثن فاحتبس عنه الوحي فقال المشركون ما قالوا فنزلت وقيل إن عثمان أهدى إليه صلى الله عليه وسلم عنقود عنب وقيل عذق تمر فجاء سائل فأعطاه ثم اشتراه عثمان بدرهم فقدمه إليه عليه الصلاة والسلام ثانياً ثم عاد السائل فاعطيه وهكذا ثلاث مرات فقال عليه الصلاة والسلام ملاطفاً لا غضبان أسائل أنت يا فلان أم تاجر فتأخر الوحي أياماً فاستوحش فنزلت ولعلهم أيضاً قالوا ما قالوا وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خوله وكانت تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل تحت سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ولم نشعر به فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال يا خولة ما حدث في بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام جبريل لا يأتيني فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يو خير منا اليوم فأخذ برده فلبسه وخرج فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بدا لي الجر وميتا فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فقال يا خولة دثريني فأنزل الله تعالى { والضحى والليل } إلى قوله سبحانه : { فترضى } وهذه الرواية تدل على أن الانقطاع كان أربعة أيام وعن ابن جريج أنه كان اثني عشر يوماً وعن الكلبي خمسة عشر يوماً وقبل بضعة عشر يوما وعن ابن عباس خمسة وعشرين يوماً وعن السدي ومقاتل أربعين يوماً وأنت تعلم أن مثل ذلك مما يتفاوت العلم بمبدئه ولا يكاد يعلم على التحقيق إلا منه عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم وفي بعض الروايات ما يدل على أن قائل ذلك هو النبي عليه الصلاة والسلام فعن الحسن أنه قال أبطأ الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لخديجة أن ربي ودعني وقلاني يشكو إليها فقالت كلا والذي بعثك بالحق ما ابتدأك الله تعالى بهذه الكرامة إلا وهو سبحانه يريد أن يتمها لك فنزلت واستشكل هذا بأنه لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يظن أن الله تعالى شأنه ودعه وقلاه وهل إلا نحو من العزل وعزل النبي عن النبوة غير جائز في حكمته عز وجل والنبي عليه الصلاة والسلام أعلم بذلك ويعلم صلى الله عليه وسلم أيضاً أن إبطاء الوحي وعكسه لا يخلو كل منهما عن مصلحة وحكمة وأجيب بأن مراده عليه الصلاة والسلام إن صح أن يجر بها ليعرف قدر علمها أو ليعرف الناس ذلك فقال ما قال صلى الله عليه وسلم بضرب من التأويل كان يكون قد قصد إن ربي ودعني وقلاني بزعم المشركين أو أن معاملته سبحانه إياي بإبطاء الوحي تشبه صورة معاملة المودع والقالي وأنت تعلم أن هذه الرواية شاذة لا يعول عليها ولا يلتفت إليها فلا ينبغي اتعاب الذهن بتأويلها ونحوها ما دل على أن قائل ذاك خديجة رضي الله تعالى عنها أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عروة قال ابطأ جبريل عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعاً شديداً فقالت خديجة أرى ربك قد قلاك مما أرى من جزعك فنزلت { والضحى والليل } إلى آخرها والقول بأنها رضي الله تعالى عنها أرادت أن هذا الجزع لا ينبغي أن يكون إلا من قلى ربك إياك وحاشى أي يقلاك فما هذا الجزع بعيد غاية البعد والمعول ما عليه الجمهور وصحت به الأخبار أن القائل هم المشركون وأنه عليه الصلاة والسلام إنما أحزنه بمقتضى الطبيعة البشرية تعبيرهم وعدم رؤية جبريل عليه السلام مع مزيد حبه إياه وفي بعض الآثار أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام «( ما جئتني حتى اشتقت إليك فقال جبريل عليه السلام كنت أنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور وتلا وما نتنزل إلا بأمر ربك » وفي رواية أنه عاتبه عليهما الصلاة والسلام «فقال أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة » وراوي هذا يروي أن السبب في إبطاء الوحي وجود جرو في بيته عليه الصلاة والسلام والروايات في ذلك مختلفة وجوز بعضهم أن يكون الإبطاء لتجمع الأسباب ثم أن قد زعم بعض بناء على بعض الروايات السابقة جواز أن يكون المراد بربك في ما وعدك ربك دون ما بعد صاحبك والمراد به جبريل عليه السلام وهو كما ترى وحيث تضمن ماسبق من نفي التوديع والقلي أنه عز وجل لا يزال يواصله عليه الصلاة والسلام بالوحي والكرامة في الدنيا بشر صلى الله عليه وسلم بأن ما سيؤتاه في الآخرة أجل وأعظم من ذلك فقيل

وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ( 4 )

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ ما ودعك ربك } يا محمد { وما قلى } يعني وما مقتك ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وهذا جواب القسم ، ومعناه : ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك . وقيل : "وَما قَلى" ومعناه : وما قلاك ، اكتفاء بفهم السامع لمعناه ، إذ كان قد تقدّم ذلك قولُه : "ما وَدّعَكَ" فعُرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . ... حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، ومحمد بن هارون القطان ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس سمع جندبا البجليّ يقول : أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون : ودّع محمدا ربّه ، فأنزل الله : وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي " وَدَّعَك " قراءتان : أحدهما : قراءة الجمهور ودّعك ، بالتشديد ، ومعناها : ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك . والثانية : بالتخفيف ، ومعناها : ما تركك إعراضاً عنك ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والتوديع : مبالغة في الودع ؛ لأنّ من ودّعك مفارقاً فقد بالغ في تركك .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ما ودعك } أي تركك تركاً يحصل به فرقة كفرقة المودع ولو على أحسن الوجوه الذي هو مراد المودع { ربك } أي الذي أحسن إليك بإيجادك أولاً ، وجعلك أكمل الخلق ثانياً ، ورباك أحسن تربية ثالثاً ، كما أنه لا يمكن توديع الليل للنهار بل الضحى للنهار الذي هو أشد ضيائه ، ولا يمكن توديع الضحى للنهار ولا الليل وقت سجوه له . ولما كان ربما تعنت متعنت فقال : ما تركه ولكنه لا يحبه ، فكم من مواصل وليس بواصل ، قال نافياً لكل ترك : { وما قلى } أي وما أبغضك بغضاً ما ، وحذف الضمير اختصاراً لفظياً ليعم ، فهو من تقليل اللفظ لتكثير المعنى ....

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

وقال [الشهاب] في ( شرح الشفاء ): الوداع له معنيان في اللغة الترك وتشييع المسافر، فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلا ، فإنه معه أينما كان وإنما الترك لو تصور في جانبه ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع ، فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده وإليه ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( ما ودعك ربك وما قلى ) . . ما تركك ربك ولا جافاك - كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك . . وهو( ربك ) وأنت عبده المنسوب إليه ، المضاف إلى ربوبيته ، وهو راعيك وكافلك . . ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

واحتباس الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقع مرتين :

أولاهما : قبل نزول سورة المدثر أو المزمل ، أي بعد نزول سورتين من القرآن أو ثلاث على الخلاف في الأسبق من سورتي المزمل والمدثر ، وتلك الفترة هي التي خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون قد انقطع عنه الوحي ، وهي التي رأى عقبها جبريل على كرسي بين السماء والأرض كما تقدم في تفسير سورة المدثر ، وقد قيل : إن مدة انقطاع الوحي في الفترة الأولى كانت أربعين يوماً ولم يشعر بها المشركون لأنها كانت في مبدإ نزول الوحي قبل أن يشيع الحديث بينهم فيه وقبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن ليلاً .

وثانيتهما : فترة بعد نزول نحو من ثماني سور ، أي السور التي نزلت بعد الفترة الأولى فتكون بعد تجمع عشر سور ، وبذلك تكون هذه السورة حادية عشرة فيتوافق ذلك مع عددها في ترتيب نزول السور . والاختلاف في سبب نزول هذه السورة يدل على عدم وضوحه للرواة ، فالذي نظنه أن احتباس الوحي في هذه المرة كان لمدة نحو من اثني عشر يوماً وأنه ما كان إلا للرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم كي تسْتَجِمَّ نفسه وتعتاد قوته تحمُّل أعباء الوحي إذ كانت الفترة الأولى أربعين يوماً ثم كانت الثانية اثني عشر يوماً أو نحوها ، فيكون نزول سورة الضحى هو النزول الثالث ، وفي المرة الثالثة يحصل الارتياض في الأمور الشاقة ولذلك يكثر الأمر بتكرر بعض الأعمال ثلاثاً ، وبهذا الوجه يجمع بين مختلف الأخبار في سبب نزول هذه السورة وسبب نزول سورة المدثر .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في هذا التعبير سَكنٌ لقلب النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتسلّ له ، ليعلم أن التأخير في نزول الوحي إنّما يحدث لمصلحة يعلمها الله تعالى ، وليست كما يقول الأعداء لترك الله نبيّه أو لسخطه عليه . فهو مشمول دائماً بلطف الله وعنايته الخاصّة ، وهو دائماً في كنف حماية الله سبحانه . ...