روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَعِندَهُمۡ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ عِينٞ} (48)

{ وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف } قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفاً إلى غيرهم قاله ابن عباس . ومجاهد . وابن زيد فمتعلق القصر محذوف للعلم به ، والكلام إما على ظاهره أو كناية عن فرط محبتهن لأزواجهن وعدم ميلهن إلى سواهم ، وقيل المراد لا يفتحن أعينهن دلالاً وغنجاً ، والوصف على القولين متعد ، وجوز كونه قاصراً على أن المعنى ذابلات الجفن مراضه ، وما أحيل ذبول الأجفان في الغواني الحسان ، ولذا كثر التغزل بذلك قديماً وحديثاً ، ومنه قول ابن الأزدي

: مرضت سلوتي وصح غرامي *** من لحاظ هي المراض الصحاح

والطرف في كل ذلك طرفهن ، وجوز أن يكون الوصف متعدياً والطرف طرف غيرهن ، والمعنى قاصرات طرف غيرهن عن التجاوز إلى سواهن لغاية حسنهن فلا يتجاوزهن طرف الناظر إليهن كقول المتنبي :

وخصر تثبت الأبصار فيه *** كأن عليه من حدق نطاقاً

وقد ذكر هذا المعنى أيضاً ابن رشيق في قول امرئ القيس

: من القاصرات الطرف لو دب محول *** من الذر فوق الأنف منها لأثرا

وهو لعمري رشيق بيد أني أقول : الظاهر هنا أن العندية في مجالس الشرب إتماماً للذة فلعل الأوفق للغيرة وإن كانت الحظيرة حظيرة قدس المعنى الأول ، والجمهور قد قصروا الطرف عليه ولا يظن بهم أنهم من القاصرين ، والجملة قيل عطف على ما قبلها ، وقيل : في موضع الحال أي يطاف عليهم بكأس والحال عندهم نساء قاصرات الطرف { عِينٌ } جمع عيناء وهي الواسعة العين في جمال ، ومنه قيل للبقر الوحشي عين ، وقيل : العيناء واسعة العين أي كثيرة محاسن عينها ، والحق أن السعة اتساع الشق والتقييد بالجمال يدفع ما عسى أن يقال ، وما ألطف وأظرف ذكر عين بعد قاصرات الطرف .