{ ثُمَّ استوى إِلَى السماء } أي قصد إليها وتوجه دون إرادة تأثير في غيرها من قولهم : استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه لا يلوى على غيره .
وذكر الراغب أن الاستواء متى عدى بعلى فبمعنى الاستيلاء كقوله تعالى : { الرحمن عَلَى العرش استوى } [ طه : 5 ] وإذا عدى بإلى فبمعنى الانتهاء إلى الشيء إما بالذات أو بالتدبير ، وعلى الثاني قوله تعالى : { ثُمَّ استوى إِلَى السماء } الآية ، وكلام السلف في الاستواء مشهور .
وقد ذكرنا فيما سلف طرفا منه ويشعر ظاهر كلام البعض أن في الكلام مضافاً محذوفاً أي ثم استوى إلى خلق السماء { وَهِىَ دُخَانٌ } أمر ظلماني ولعله أريد به مادتها التي منها تركبت وأنا لا أقول بالجواهر الفردة لقوة الأدلة على نفيها ولا يلزم من ذلك محذور أصلا كما لا يخفى على الذكي المنصف ، وقيل : إن عرشه تعالى كان قبل خلق السموات والأرض على الماء فاحدث الله تعالى في الماء سخونة فارتفع زبد ودخان فأما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق الله تعالى فيه اليبوسة وأحدث سبحانه منه الأرض وأما الدحان فارتفع وعلا فخلق الله تعالى منه السموات .
وقيل : كان هناك ياقوتة حمراء فنظر سبحانه إليها بعين الجلال فذابت وصارت ماء فأزبد وارتفع منه دخان فكان ما كان ، وأياً ما كان فليس الدخان كائناً من النار التي هي إحدى العناصر لأنها من توابع الأرض ولم تكن موجودة إذ ذاك على قول كما ستعرف إن شاء الله تعالى ، وعلى القول بالوجود لم يذهب أحد إلى تكون ذلك من تلك النار والحق الذي ينبغي أن لا يلتفت إلى ما سواه أن كرة الناء التي يزعمها الفلاسفة المتقدمون ووافقهم كثير من الناس عليها ليست بموجودة ولا توقف لحدوث الشهب على وجودها كما يظهر لذي ذهن ثاقب .
/ { فَقَالَ لَهَا وَلِلأْرْضِ ائتيا } بما خلقت فيكما من المنافع فليس المعنى على اتيان ذاتهما وإيجادهما بل اتيان ما فيهما مما ذكر بمعنى إظهاره والأمر للتسخير قيل ولا بد على هذا أن يكون المترتب بعد جعل السموات سبعاً أو مضمون مجموع الجمل المذكورة بعد الفاء وإلا فالأمر بالإتيان بهذا المعنى مترتب على خلق الأرض والسماء .
وقال بعض : الكلام على التقديم والتأخير والأصل ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقضاهن سبع سموات الخ فقال لها وللأرض ائتيا الخ وهو أبعد عن القيل والقال إلا أنه خلاف الظاهر أو كوناً واحدثا على وجه معين وفي وقت مقدر لكل منكما فالمراد اتيان ذاتهما وإيجادهما فالأمر للتكوين على أن خلق وجعل وبارك وقدر بالمعنى الذي حكيناه عن ارشاد العقل السليم ويكون هذا شروعاً في بيان كيفية التكوين أثر بيان كيفية التقدير ، ولعل تخصيص البيان بما يتعلق بالأرض وما فيها لما أن بيان اعتنائه تعالى بأمر المخاطبين وترتيب مبادئ معايشهم قبل خلقهم ما يحملهم على الإيمان ويزجرهم عن الكفر والطغيان ، وخص الاستواء بالسماء مع أن الخطاب المترتب عليه متوجه إليهما معا اكتفاء بذكر تقدير الأرض وتقدير ما فيها كأنه قيل : فقيل لها وللأرض التي قدر وجودها ووجود ما فيها كوناً واحدثا وهذا الوجه هو الذي قدمه صاحب الإرشاد وذكره غيره احتمالاً وجعل الأمر عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوجودهما تعلقاً فعلياً بطريق التمثيل من غير أن يكون هناك آمر ومأمور كما قيل في قوله تعالى : { كُنَّ } [ غافر : 68 ] وقوله تعالى : { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } تمثيلاً لتحتم تأثير قدرته تعالى فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع والكره لهما ، وهما مصدران وقعا موقع الحال أي طائعتين أو كارهتين ، وقوله تعالى : { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } أي منقادين تمثيلاً لكمال تأثرهما عن القدرة الربانية وحصولهما كما أمرا به وتصويراً لكون وجودهما كما هما عليه جارياً على مقتضى الحكمة المبالغة فإن الطوع منبئ عن ذلك والكره موهم لخلافه ، وقيل : { طَائِعِينَ } بجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء باعتبار كونهما في معرض الخطاب والجواب ولا وجه للتأنيث عند اخبارهم عن أنفسهم لكون التأنيث بحسب اللفظ فقط
ومن كلمات القوم في الآيات : { ثُمَّ استوى إِلَى السماء } سماء القلب { وَهِىَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] هيولى إلهية
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.