روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الارض فِى يَوْمَيْنِ } إلى آخر الآيات والكلام فيها كثير ومنه ما ليس بالمشهور ولنبدى بما هو المشهور وبعد التمام نذكر الآخر فنقول : هذا إنكار وتشنيع لكفرهم ، وان واللام إما لتأكيد الإنكار وتقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة لا لانكار التأكيد وأما للإشعار بأن كفرهم من البعد بحيث ينكر العقلاء وقوعه فيحتاج إلى التأكيد ، وعلق سبحانه كفرهم بالموصول لتفخيم شأنه تعالى واستعظام كفرهم به عز وجل ، والظاهر أن المراد بالأرض الجسم المعروف ، وقيل : لعل المراد منها ما في جهة السفل من الإجرام الكثيفة واللطيفة من التراب والماء والهواء تجوزاً باستعمالها في لازم المعنى على ما قيل بقرينة المقابلة وحملت على ذلك لئلا يخلو الكلام عن التعرض لمدة خلق ما عدا التراب ، ومن خلقها في يومين أنه سبحانه خلق لها أصلاً مشتركاً ثم خلق لها ثوراً بها تنوعت إلى أنواع ، والويم في المشهور عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق واريد منه ههنا الوقت مطلقاً لأنه لا يتصور ذلك قبل خلق السماء والكواكب والأرض نفسها ثم إن ذلك الوقت يحتمل أن يكون بمقدار اليوم المعروف ويحتمل أن يكون أقل منه أو أكثر والأقل أنسب بالمقام ، وأياً ما كان فالظاهر أن اليومين ظرفان لخلق الأرض مطلقاً من غير توزيع .

وقال بعض الأجلة : إنه تعالى خلق أصلها ومادها في يوم وصورها وطبقاتها في آخر ، وقال في إرشاد العقل السليم المراد بخلق الأرض تقدير وجودها أي حكم بأنها ستوجد في يومين مثله في قوله تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] والمراد بكفرهم به تعالى الحادهم في ذاته سبحانه وصفاته عز وجل وخروجهم عن الحق اللازم له جل شأنه على عباده من توحيده واعتقاد ما يليق بذاته وصفاته جل جلاله فلا ينزهونه تعالى عن صفات الأجسام ولا يثبتون له القدرة التامة والنعوت واللائقة به سبحانه وتعالى ولا يعترفون بإرساله تعالى الرسل وبعثه سبحانه الأموات حتى كأنهم يزعمون انه سبحانه خلق العباد عبثاً وتركهم سدى ، وقوله تعالى : { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } عطف على تكفرون داخل معه في حكم الإنكار والتوبيخ ، وجعله حالاً من الضمير { خُلِقَ } لا يخفى حاله ، وجمع الأنداد باعتبار ما هو الواقع لا بأن يكون مدار الإنكار هو التعدد أي وتجعلون له أنداداً وأكفاء من الملائكة والجن وغيرهم والحال أنه لا يمكن أن يكون له سبحانه ند واحد { ذلك } إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في العظمة ، وإفراد الكاف لما أن المراد ليس تعيين المخاطبين ، وهو مبتدأ خبره ما بعده أي ذلك العظيم الشأن الذي فعل ما ذكر في مدة يسيرة { رَبّ العالمين } أي خالق جميع الموجودات ومربيها دون الأرض خاصة فكيف يتصور أن يكون شيء من مخلوقاته ندا له عز وجل .

ومن كلمات القوم في الآيات : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الارض } أي أرض البشرية { فِي يَوْمَيْنِ } يومي الهوى والطبيعة { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } [ فصلت : 9 ] من الهوى والطبيعة