روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ} (26)

{ فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ } أي ذهب إليهم على خفية من ضيفه ، نقل أبو عبيدة أنه لا يقال : راغ إلا إذا ذهب على خفية ، وقال : يقال روغ اللقمة إذا غمسها في السمن حتى تروى ، قال ابن المنير : وهو من هذا المعنى لأنها تذهب مغموسة في السمن حتى تخفى ، ومن مقلوب الروغ غور الأرض والجرح لخفائه وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى ، وقال الراغب : الروغ الميل على سبيل الاحتيال ، ومنه راغ الثعلب ، وراغ فلان إلى فلان مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال ، ويعلم منه أن لاعتبار قيد الخفية وجهاً وهو أمر يقتضيه المقام أيضاً لأن من يذهب إلى أهله لتدارك الطعام يذهب كذلك غالباً ، وتشعر الفاء بأنه عليه السلام بادر بالذهاب ولم يمهل وقد ذكروا أن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذراً من أن يمنعه الضيف ، أو يصير منتظراً { فَجَاء بِعِجْلٍ } هو ولد البقرة كأنه سمي بذلك لتصور عجلته التي تعدم منه إذا صار ثوراً { سَمِينٍ } ممتلىء الجسد بالشحم واللحم يقال : سمن كسمع سمانة بالفتح وسمناً كعنب فهو سامن وسمين ، وكحسن السمين خلقة كذا في «القاموس » ، وفي «البحر » يقال : سمن سمناً فهو سمين شذوذاً في المصدر ، واسم الفاعل . والقياس سمن وسمن ، وقالوا : سامن إذا حدث له السمن انتهى ، والفاء فصيحة أفصحت عن جمل قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها ، وإيذاناً بكمال سرعة المجيء بالطعام أي فذبح عجلاً فحنذه فجاء به ، وقال بعضهم إنه كان معداً عنده حنيذاً قبل مجيئهم لمن يرد عليه من الضيوف فلا حاجة إلى تقدير ما ذكر ، والمشهور اليوم أن الذبح للضيف إذا ورد أبلغ في إكرامه من الإتيان بما هىء من الطعام قبل وروده ، وكان كما روي عن قتادة عامة ماله عليه السلام البقر ولو كان عنده أطيب لحماً منها لأكرمهم به .