روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ} (9)

{ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي يصرف عن الايمان بما كلفوا الايمان به لدلالة الكلام السابق عليه ، وقال الحسن . وقتادة : عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال غير واحد : عن القرآن ، والكلام السابق مشعر بكل من صرف الصرف الذي لا أشد منه وأعظم ؛ ووجه المبالغة من إسناد الفعل إلى من وصف به فلولا غرض المبالغة لكان من توضيح الواضح فكأنه أثبت للمصروف صرف آخر حيث قيل : { يُصْرَفْ عَنْهُ } المصروف فجاءت المبالغة من المضاعفة ثم الإطلاق في المقام الخطابي له مدخل في تقوية أمر المضاعفة وكذلك الإبهام الذي في الموصول ، وهو قريب من قوله تعالى : { فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ } [ طه : 87 ] وقيل : المراد { يُصْرَفْ عَنْهُ } في الوجود الخارجي من { صَرَفَ * عَنْهُ } في علم الله تعالى وقضائه سبحانه ، وتعقب بأنه ليس فيه كثير فائدة لأن كل ما هو كائن معلوم أنه ثابت في سابق علمه تعالى الأزلي وليس فيه المبالغة السابقة ، وأجيب عن الأول بأن فيه الإشارة إلى أن الحجة البالغة لله عز وجل في صرفه وكفى بذلك فائدة وهو مبني أن العلم تابع للمعلوم فافهمه ، وحكى الزهراوي أنه يجوز أن يكون الضمير { لِمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 5 ] أو للدين أقسم سبحانه بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق ثم أقسم بالسماء على أنهم في { قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } في وقوعه ، فمنهم شاك ، ومنهم جاحد ثم قال جل وعلا : { يُؤْفَكُ } عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك ، وذكر ذلك الزمخشري ولم يعزه ، وادعى «صاحب الكشف » أنه أوجه لتلاؤم الكلام ، وقيل : يجوز أن يكون الضمير لقول مختلف وعن للتعليل كما في قوله تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } [ هود : 53 ]

) . ينهون عن أكل وعن شرب *** مثل المها يرتعن في خصب

أي يصرف بسبب ذلك القول المختلف من أراد الإسلام ، وقال الزمخشري : حقيقته يصدر إفكهم عن القول المختلف ، وهذا محتمل لبقاء عن على أصلها من المجاوزة واعتبار التضمين ، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع مع ذهاب تلك المبالغة ، وجوز ابن عطية رجوع الضمير إلى القول إلا أنه قال : المعنى يصرف عن ذلك القول المختلف بتوفيق الله تعالى للإسلام من غلبت سعادته ، وتعقبه بأن فيه مخالفة للعرف فإن عرف الاستعمال في الإفك الصرف من خير إلى شر فلذلك لا تجده إلا في المذمومين ، ثم إن ذلك على كون الخطاب في أنكم للكفار وهو الذي ذهب إليه ابن زيد وغيره واستظهر أبو حيان كونه عاماً للمسلم والكافر ، واستظهر العموم فيما سبق أيضاً ، والقول المخلف حينئذ قول المسلمين بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقول الكفار بنقيض ذلك ، وقرأ ابن جبير . وقتادة { مَنْ أُفِكَ } مبنياً للفاعل أي من أفك الناس عنه وهم قريش ، وقرأ زيد بن علي يأفك عنه من أفك أي يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب ، وقرئ يؤفن عنه من أفن بالنون فيهما أي يحرمه من حرم من أفن الضرع إذا أنهكه حلباً .