روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

و الهجوع النوم ، وقيده الراغب بقوله : ليلاً ، وغيره بالقليل ، و { مَا } إما مزيدة فقليلاً معمول الفعل صفة لمصدر محذوف أي هجوعاً قليلاً و { مِّنَ الليل } صفة ، أو لغو متعلق بيهجعون و { مِنْ } للابتداء ، وجملة { يَهْجَعُونَ } خبر كان أو { قَلِيلاً } صفة لظرف محذوف أي زماناً قليلاً و { مِّنَ اليل } صفة على نحو قليل من المال عندي وإما موصولة عائدها محذوف أي زماناً قليلاً و { مِّنَ اليل } صفة على نحو قليل من المال عندي وإما موصولة عائدها محذوف فهي فاعل { قَلِيلاً } وهو خبر كان و { مِّنَ الليل } حال من الموصول مقدم كأنه قيل : كانوا قد قل المقدار الذي يهجعون فيه كائناً ذلك المقدار { مِّنَ الليل } وإما مصدرية فالمصدر فاعل { قَلِيلاً } وهو خبر كان أيضاً ، و { مِّنَ اليل } بيان لا متعلق بما بعده لأن معمول المصدر لا يتقدم ، أو حال من المصدر ، و { مِنْ } للابتداء كذا في «الكشف » فهما من الكشاف ، وذهب بعضهم إلى أن { مِنْ } على زيادة ما بمعنى في كما في قوله تعالى : { ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة } [ الجمعة : 9 ] واعترض بن المنير احتمال مصدريتها بأن لا يجوز في { مِّنَ الليل } كونه صفة ، أو بياناً للقليل لأنه فيه واقع على الهجوع ولا صلة المصدر لتقدمه ، وأجيب بأنه بيان للزمان المبهم ؛ وحكى الطيبي أنه إما منصوب على التبيين أو متعلق بفعل يفسره { يَهْجَعُونَ } وجوز أن يكون { مَا يَهْجَعُونَ } على ذلك الاحتمال بدلاً من اسم كان فكأنه قيل : كان هجوعهم قللاً وهو بعيد ، وجوز في { مَا } أن تكون نافية ، و { قَلِيلاً } منصوب بيهجعون والمعنى كانوا لا يهجعون من الليل قليلاً ويحيونه كله ورواه ابن أبي شيبة .

وأبو نصر عن مجاهد ، ورده الزمخشري بأن { مَا } النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لأن لها صدر الكلام وليس فيها التصرف الذي في أخواتها كلا فإنها قد تكون كجزء مما دخلت عليه نحو عوتب بلا جرم ولم . ولن لاختصاصهما بالفعل كالجزء منه ، وأنت تعلم أن منع العمل هو مذهب البصريين ، وفي «شرح الهادي » أن بعض النحاة أجازه مطلقاً ، وبعضهم أجازه في الظرف خاصة للتوسع فيه ، واستدل عليه بقوله

: ونحن عن فضلك ما استغنينا *** نعم يرد على ذلك أن فيه كما في «الانتصاف » خلللاً من حيث المعنى فإن طلب قيام الليل غير مستثنى منه جزء للهجوع وإن قل غير ثابت في الشرع ولا معهود اللهم إلا أن يدعي أن من ذهب إلى ذلك يقول : بأنه كان ثابتاً في الشرع ، فقد أخرج ابن أبي شيبة . وابن المنذر عن عطاء أنه قال في الآية : كان ذلك إذا أمروا بقيام الليل كله فكان أبو ذكر يعتمد على العصار فمكثوا شهرين ثم نزلت الرخصة { فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] وقال الضحاك : { كَانُواْ قَلِيلاً } في عددهم ، وتم الكلام عند { قَلِيلاً } ثم ابتدأ { مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ } على أن { مَا } نافية ؛ وفهي ما تقدم مع زيادة تفكيك للكلام ، ولعل أظهر الأوجه زيادة { مَا } ونصب { قَلِيلاً } على الظرفية ، و { مِّنَ الليل } صفة قيل : وفي الكلام مبالغات لفظ الهجوع بناءاً على أنه القليل من النوم ، وقوله تعالى : { قَلِيلاً } و { مِّنَ اليل } لأن الليل وقت السبات والراحة وزيادة { مَا } لأنها تؤكد مضمون الجملة فتؤكد القلة وتحققها باعتبار كونها قيداً فيها .

والغرض من الآية أنهم يكابدون العبادة في أوقات الراحة وسكون النفس ولا يستريحون من مشاق النهار إلا قليلاً ، قال الحسن : كابدوا قيام الليل لا ينامون منه إلا قليلاً ، وعن عبد الله بن رواحة هجعوا قليلاً ثم قاموا ، وفسر أنس بن مالك الآية كما رواه جماعة عنه وصححه «الحاكم » فقال : كانوا يصلون بين المغرب والعشاء وهي لا تدل على الاقتصار على ذلك .