وقالوا في قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } إنه إضراب من التبكيت المذكور إلى تبكيت آخر بطريق الالتفات للإيذان بإفضاء حالهم إلى الإعراض عنهم وإسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم ، أي بل أيقولون واثقين بشوكتهم نحن جماعة أمرنا مجتمع لا يرام ولا يضام ، أو { مُّنتَصِرٌ } من الأعداء لا يغلب ، أو متناصر ينصر بعضنا بعضاً .
والذي يترجح في نظر الفقير أن الخطاب في الموضعين خاص على ما يقتضيه السياق بكفار أهل مكة أو العرب وهو ظاهر في الموضع الثاني لا يحتاج إلى شيء ، وأما في الموضع الأول فوجهه أن تكون الإضافة مثلها في الدراهم كلها كذا ، وطور سيناء ، ويوم الأحد ولم يقل أأنتم للتنصيص على كفرهم المقتضى لهلاكهم ، ويجوز أن يعتبر في { أكفاركم } [ القمر : 43 ] ضرب من التجريد الذي ذكروه في نحو { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } [ فصلت : 28 ] فكأنه جرد منهم كفار وأضيفوا إليهم ، وفي ذلك من المبالغة ما فيه ، ويجوز أن يكون هذا وجهاً للعدول عن أأنتم ، وربما يترجح به كون الخيرية المنفية باعتبار لين الشكيمة في الكفر وكأنه لما خوف سبحانه الكفار الذين كذبوا الآيات وأعرضوا عنها ، وقالوا هي سحر مستمر بذكر ما حل بالأمم السالفة مما تبرق وترعد منه أسارير الوعيد قال عز وجل لهم : لم لا تخافون أن يحل بكم مثل ما حل بهم أأنتم أقل كفراً وعناداً منهم ليكون ذلك سبباً للأمن من حلول نحو عذابهم بكم أم أعطاكم الله عز وجل براءة من عذابه أم أنتم أعز منهم منتصرون على جنود الله تعالى وعدل سبحانه عن أم أنتم جميع منتصر إلى ما في النظم الجليل للإشارة إلى أن ذلك مما لا تحقق له أصلاً إلا باللفظ ومحض الدعوى التي لا يوافق عليها فتأمل ، فأسرار كلام الله تعالى لا تتناهى ، ثم لا تعجل بالاعتراض على ما قلناه وإن لم يكن لنا سلف فيه حسبما تتبعنا ، ثم إن { جَمِيعٌ } على ما أشير إليه بمعنى الجماعة التي أمرها مجتمع وليس من التأكيد في شيء بل هو خبر { نَحْنُ } ، وجوز أن يكون بمعنى مجتمع خبر مبتدأ محذوف وهو { أَمْرُنَا } والجملة خبر { نَحْنُ } وأن يكون هو الخبر والإسناد مجازي ، و { مُّنتَصِرٌ } على ما سمعت إما بمعنى ممتنع يقال : نصره فانتصر إذا منعه فامتنع .
والمراد بالامتناع عدم المغلوبية أو هو بمعنى منتقم من الأعداء أو هو من النصر بمعنى العون ؛ والافتعال بمعنى التفاعل كالاختصام والتخاصم وكان الظاهر منتصرون إلا أنه أفرد باعتبار لفظ الجميع فإنه مفرد لفظاً جمع معنى ورجح هنا جانب اللفظ عكس { بل أنتم قوم تجهلون } [ النمل : 55 ] لخفة الإفراد مع رعاية الفاصلة وليس في الآية رعاية جانب المعنى أولاً ، ثم رعاية جانب اللفظ ثانياً على عكس المشهور ، وإن كان ذلك جائزاً على الصحيح كما لا يخفى على الخبير ، وقرأ أبو حيوة . وموسى الأسواري . وأبو البرهسم أم تقولون بتاء الخطاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.