روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ} (7)

{ خُشَّعاً أبصارهم } حال من فاعل { يُخْرِجُونَ } أي يخرجون { مّنَ الأجداث } أي القبور أذلة أبصارهم من شدة الهول أي أذلاء من ذلك ، وقدم الحال لتصرف العامل والاهتمام ، وفيه دليل على بطلان مذهب الجرمي من عدم تجويز تقدم الحال على الفعل وإن كان متصرفاً ، ويرده أيضاً قولهم : شتى تؤب الحلبة ، وقوله

: سريعاً يهون الصعب عند ألى النهى *** إذا برّ جاء صادق قابلوا البأسا

وجعل حالاً من ذلك لقوله تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً } إلى قوله تعالى : { خاشعة أبصارهم } [ المعارج : 43 ، 44 ] . وقيل : هو حال من الضمير المفعول المحذوف في { يَدْع الداع } [ القمر : 6 ] أي يدعوهم الداع ؛ وتعقب بأنه لا يطابق المنزل وأيضاً يصير حالاً مقدرة لأن الدعاء ليس حال خشوع البصر وليست في الكثرة كغيرها وكذلك جعله مفعول يدعو على معنى يدعو فريقاً خاشعاً أبصارهم أي سيخشع وإن كان هذا أقرب مما قبل ، وقيل : هو حال من الضمير المجرور في قوله تعالى : { فتولى عَنْهُمْ } وفيه ما لا يخفى ، وأبصارهم فاعل خشعاً وطابقه الوصف في الجمع لأنه إذا كسر لم يشبه الفعل لفظاً فتحسن فيه المطابقة وهذا بخلاف ما إذا جمع جمع مذكر سالم فإنه لم يتغير زنته وشبهه للفعل فينبغي أن لا يجمع إذا رفع الظاهر المجموع على اللغة الفصيحة دون لغة أكلوني البراغيث ، لكن الجمع حينئذٍ في الاسم أخف منه في الفعل كما قال الرضي ، ووجهه ظاهر ، وفي التسهيل إذا رفعت الصفة اسماً ظاهراً مجموعاً فإن أمكن تكسيرها كمررت برجل { قِيَامٍ } غلمانه فهو أولى من إفراده كمررت برجل { قَائِمٌ } غلمانه وهذا قول المبرد ومن تبعه والسماع شاهد له كقوله

: وقوفاً بها صحبي على مطيهم *** يقولون لا تهلك أسى وتجملي

وقوله

: بمطرد لدن صحاح كعوبه *** وذي رونق عضب يقد القوانسا

وقال الجمهور : الإفراد أولى والقياس معهم ، وعليه قوله

: ورجال حسن أوجههم *** من إياد بن نزار بن معد

وقيل : إن تبع مفرداً فالإفراد أولى كرجل { قَائِمٌ } غلمانه وإن تبع جمعاً فالجمع أولى كرجال قيام غلمانهم وأما التثنية والجمع السالم فعلى لغة أكلوني البراغيث ؛ وجوز أن يكون في { خُشَّعاً } ضمير مستتر ، و { أبصارهم } بدلاً منه ، وقرأ ابن عباس . وابن جبير . ومجاهد . والجحدري . وأبو عمرو . وحمزة . والكسائي خاشعاً بالإفراد ، وقرأ أبيّ . وابن مسعود خاشعة وقرئ خشع على أنه خبر مقدم ، و { أبصارهم } مبتدأ ، والجملة في موضع الحال ، وقوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } حال أيضاً وتشبيههم بالجراد المنتشر في الكثرة والتموج والانتشار في الأقطار ، وجاء تشبيههم بالفراش المبثوث ولهم يوم الخروج سهم من الشبه لكل ، وقيل : يكونون أولاً كالفراش حين يموجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون لأن الفراش لا جهة لها تقصدها ، ثم كالجراد المنتشر إذا توجهوا إلى المحشر فهما تشبيهان باعتبار وقتين ، وحكي ذلك عن مكي بن أبي طالب .