{ قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظلمات البر والبحر } أي قل لهم تقريراً بانحطاط شركائهم عن رتبة الإلهية ، والمراد من ظلمات البر والبحر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شدائدهما وأهوالهما التي تبطل الحواس وتدهش العقول . والعرب كما قال الزجاج تقول لليوم الذي يلقى فيه شدة يوم مظلم حتى أنهم يقولون : يوم ذو كواكب أي أنه يوم قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته ، وأنشد
: بني أسد هل تعلمون بلاءنا *** إذاكان يوم ذو كواكب أشهب
ومن الأمثال القديمة رأى الكواكب ظهراً أي أظلم عليه يومه لاشتداد الأمر فيه حتى كأنه أبصر النجم نهاراً ، ومن ذلك قول طرفة
: إن تنوله فقد تمنعه *** وتريه النجم يجري بالظهر
وقيل : المراد ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة البحر ، وقيل : ظلمة البر بالخسف فيه وظلمة البحر بالغرق فيه ، والظلمات على الأول : كما قيل استعارة وعلى الأخيرين حقيقة . ومنهم من جعلها كناية عن الخسف والغرق والكلام في الكناية معلوم . ومن جوز جمع الحقيقة والمجاز فسر الظلمات بظلمة الليل والغيم والبحر والتيه والخوف وقرأ يعقوب وسهل { يُنَجّيكُمْ } بالتخفيف من الإنجاء والمعنى واحد .
وقوله تعالى : { تَدْعُونَهُ } في موضع الحال من مفعول { يُنَجّيكُمْ } كما قال أبو البقاء ، والضمير لمن أي من ينجيكم منها حال كونكم داعين له . وجوز أن يكون حالاً من فاعله أي من ينجيكم منها حال كونه مدعواً من جهتكم { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } أي إعلاناً وسراراً كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن فنصبهما على المصدرية ، وقيل : بنزع الخافض ، والإعلان والاسرار يحتمل أن يراد بهما ما باللسان ويحتمل أن يراد بهما ما باللسان والقلب ، وجوز أن يكونا منصوبين على الحال من فاعل { تَدْعُونَ } أي معلنين ومسرين . وقرأ أبو بكر عن عاصم { *خفية } بكسر الخاء وهو لغة فيه كالأسوة والإسوة .
وقوله سبحانه : { وَخُفْيَةً لَّئِنْ أنجانا } في محل النصب على المفعولية لقول مقدر وقع حالاً من فاعل ( تدعون ) أيضاً أي قائلين : لئن أنجيتنا ، والكوفيون يحكون بما يدل على معنى القول كتدعون من غير تقدير والصحيح التقدير ، وقيل : إن الجملة القسمية تفسير للدعاء فلا محل لها . وقرأ أهل الكوفة { أنجانا } بلفظ الغيبة مراعاة لتدعونه دون حكاية خطابهم في حالة الدعاء غير أن عاصماً قرأ بالتفخيم والباقون بالأمالة ، وقوله سبحانه : { مِنْ هذه } إشارة إلى ما هم فيها المعبر عنها بالظلمات { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } أي الراسخين في الشكر المداومين عليه لأجل هذه النعمة الجليلة أو جميع النعم التي هذه من جملتها .
( ومن باب الإشارة ) :{ قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظلمات البر } وهي الغواشي النفسانية { والبحر } وهي حجب صفات القلب { تَدْعُونَهُ } إلى كشفها { تَضَرُّعًا } في نفوسكم { وَخُفْيَةً } في أسراركم { لَّئِنْ أنجانا مِنْ هذه } الغواشي والحجب { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } [ الأنعام : 63 ] نعمة الإنجاء بالاستقامة والتمكين
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.