روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ} (12)

{ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } من الأفعال قليلاً كان أو كثيراً ويضبطونه نقيراً أو قطميراً وليس ذلك للجزاء وإقامة الحجة وإلا لكان عبثاً ينزه عنه الحكيم العليم وقيل جيء بهذه الحال استبعاد للتكذيب معها وليس بذاك وفي تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لأمر الجزاء وأنه عند الله عز وجل من جلائل الأمور حيث استعمل سحبانه فيه هؤلاء الكرام لديه تعالى ثم إن هؤلاء الحافظين غير المعقبات في قوله تعالى : { لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } [ الرعد : 11 ] فمع الإنسان عدة ملائكة روى عن عثمان أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كم من ملك على الإنسان فذكر عليه الصلاة والسلام عشرين ملكاً قال المهدوي في الفيصل وقيل إن كل آدمي يوكل به من حين وقوعه نطفة في الرحم إلى موته أربعمائة ملك ومن يكتب الأعمال ملكان كاتب الحسنات وهو في المشهور على العاتق الأيمن وكاتب ما سواها وهو على العاتق الأيسر والأول أمين على الثاني فلا يمكنه من كتابة السيئة الأبعد مضى ست ساعات من غير مكفر لها ويكتبان كل شيء حتى الاعتقاد والعزم والتقرير وحتى الأنين في المرض وكذا يكتبان حسنات الصبي على الصحيح ويفارقان المكلف عند الجماع ولا يدخلان مع العبد الخلاء وأخرج البزار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حاجات الغائط والجنابة والغسل » ولا يمنع ذلك من كتبهما مايصدر عنه ويجعل الله تعالى لهما أمارة على الاعتقاد القلبي ونحوه ويلزمان العبد إلى مماته فيقومان على قبره يسبحان ويهللان ويكبران ويكتب ثوابه للميت إلى يوم القيامة إن كان مؤمناً ويلعنانه إلى يوم القيامة إن كان كافراً واستظهر بعضهم أنهما اثنان بالشخص وقيل بالنوع وقيل كاتب الحسنات يتغير دون كاتب السيئات ونصوا على أن المجنون لا حفظة عليه وورد في بعض الآثار ما يدل على أن بعض الحسنات ما يكتبها غير هذين الملكين والظواهر تدل على أن الكتب حقيقي وعلم الآلة وما يكتب فيه مفوض إلى الله عز وجل .