التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (78)

نَادَوْا بوصف العزيز إمّا لأنّ كلّ رئيس ولاية مهمة يدعى بما يرادف العزيز فيكون يوسف عليه السلام عزيزاً ، كما أن رئيس الشرطة يدعى العزيز كما تقدم في قوله تعالى : { امرأة العزيز } [ سورة يوسف : 30 ] ؛ وإما لأن يوسف ضمت إليه ولاية العزيز الذي اشتراه فجمع التصرفات وراجعوه في أخذ أخيهم .

ووصفوا أباهم بثلاث صفات تقتضي الترقيق عليه ، وهي : حنان الأبوة ، وصفة الشيخوخة ، واستحقاقه جبر خاطره لأنه كبير قومه أو لأنه انتهى في الكِبر إلى أقصاه ؛ فالأوصاف مسوقة للحث على سراح الابن لا لأصل الفائدة لأنهم قد كانوا أخبروا يوسف عليه السلام بخبر أبيهم .

والمراد بالكبير : إما كبير عشيرته فإساءته تسوءهم جميعاً ومن عادة الولاة استجلاب القبائل ، وإما أن يكون { كبيراً } تأكيداً ل { شيخا } أي بلغ الغاية في الكبر من السن ، ولذلك فرّعوا على ذلك { فخذ أحدنا مكانه } ، إذ كان هو أصغر الإخوة ، والأصغر أقرب إلى رقة الأب عليه .

وجملة { إنا نراك من المحسنين } تعليل لإجابة المطلوب لا للطلب . والتقدير : فلا تردّ سؤالنا لأنّا نراك من المحسنين فمثلك لا يصدر منه ما يسوء أباً شيخاً كبيراً .

والمكان : أصله محل الكون أي ما يستقر فيه الجسم ، وهو هنا مجاز في العوض لأن العوض يضعه آخذه في مكان الشيء المعوّض عنه كما في الحديث « هذه مَكانُ حجتك » .