اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (78)

قوله تعالى : { ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً } الآية .

اعلم : أنهم لمَّا قالوا : { إن سرق فقد سرق أخ له من قبل } ، أحبُّوا موافقته ، والعدول إلى طريق الشَّفاعة ، وأنهم ، وإن كانوا قد اعترفوا بأن حكم الله في السارق أن يستعبد ، إلاَّ أنَّ العفو وأخذ الفداء كان أيضاً جائزاً ؛ فقالوا : { ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً } ، في السنِّ ، ويجوز أن يكون في القدر ، والدِّين ؛ لأن قولهم : " شَيْخاً " يعلم منه كبر سنه ، وإنَّما ذكروا ذلك ؛ لأنَّ كونه ابناً لرجلٍ كبير القدرِ يوجب العفو [ والصفح ] .

قوله : مَكانَهُ " فيه وجهان :

أظهرهما : أنَّ " مَكَانهُ " : نصب [ على الظرف ] ، والعامل فيه : " خُذْ " .

والثاني : أنه ضمَّن " خُذْ " معنى : " اجْعَلْ " ، فيكونُ : " مَكَانهُ " في محلٌ المفعول الثاني .

واقل الزمخشريُّ : " فخُذْ بدله على جهةِ الاسترهانِ ؛ حتَّى نردّ الفداء إليك ، أو الاستعباد " .

ثم قالوا : { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين } ، لو فعلت ذلك .

وقيل : من المحسنين إلينا في توفية الكيل ، وحسن الضِّيافة ، وردِّ البضاعة .

وقيل : من المحسنين في أفعالك ، وقيل : لما اشتدّ القحطُ على القوم ، ولم يجدوا ما يشترون به من الطَّعام ، وكانوا يبيعون أنفسهم ، فصار ذلك سبباً لصيرورة أكثر أهل مصر عبيداً له ، ثم أعتق الكُلّ قالوا : { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين } إلى عامة النَّاس بالإعتاق ، فكن محسناً أيضاً إلى هذا الإنسان بالإعتاق من هذه المحنة .