الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (78)

قوله تعالى : " قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه " خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول{[9220]} أو موته . وقولهم : " إن له أبا شيخا كبيرا " أي كبير القدر ، ولم يريدوا كبر السن ؛ لأن ذلك معروف من حال الشيء . " فخذ أحدنا مكانه " أي عبدا بدله ، وقد قيل : إن هذا مجاز ؛ لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقه ، وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا ، وأنت لا تريد أن يقتلك ، ولكنك مبالغ في استنزاله . ويحتمل أن يكون قولهم : " فخذ أحدنا مكانه " حقيقة ، وبعيد عليهم وهم أنبياء{[9221]} أن يروا استرقاق حر ، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة ، أي خذ أحدنا مكانه . حتى ينصرف إليك صاحبك ، ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ، ويعرف يعقوب جلية الأمر ، فمنع يوسف عليه السلام من ذلك ؛ إذ الحمالة في الحدود ونحوها - بمعنى إحضار المضمون فقط - جائزة مع التراضي ، غير لازمة إذا أبى الطالب ، وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة ، فلا يجوز إجماعا . وفي " الواضحة " : إن الحمالة في الوجه فقط في جميع{[9222]} الحدود جائزة ، إلا في النفس . وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس . واختلف فيها عن الشافعي ، فمرة ضعفها ، ومرة أجازها .

قوله تعالى : " إنا نراك من المحسنين " يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم ، ويحتمل أن يريدوا : إنا نرى لك إحسانه علينا في هذه اليد أن أسديتها إلينا ، وهذا تأويل ابن إسحاق .


[9220]:هو قطفير.
[9221]:قد مضى أنهم ليسوا بأنبياء على الصحيح.
[9222]:من ع.