المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (78)

قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( 78 }

خاطبوه باسم { العزيز } إذ كان في تلك الخطة بعزل الأول أو موته{[6766]} - على ما روي في ذلك - وقولهم : { فخذ أحدنا مكانه } يحتمل أن يكون مجازاً وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر ليسترقّ بدل من أحكمت السنة رقه ، وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا ، وأنت لا تريد أن يقتلك ، ولكنك تبالغ في استنزاله ، وعلى هذا يتجه قول يوسف { معاذ الله } لأنه تعوذ من غير جائز ، ويحتمل أن يكون قولهم { فخذ أحدنا مكانه } حقيقة ، وبعيد عليهم - وهم أنبياء - أن يريدوا استرقاق حر ، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة ، أي خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك ، ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ، ويعرف يعقوب جلية الأمر ، فمنع يوسف عليه السلام من ذلك ، إذ الحمالة في الحدود ونحوها لمعنى إحضار المضمون فقط جائزة مع التراضي غير لازمة إذا أبى الطالب ، وأما الحمالة في مثل ذلك - على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة - فلا يجوز ذلك إجماعاً . وفي الواضحة : إن الحمالة بالوجه فقط في جميع الحدود جائزة إلا في النفس .

وقولهم : { إنا نراك من المحسنين } ، يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوه من إحسانه في جميع أفعاله - معهم ومع غيرهم - ويحتمل أن يريدوا : إنا نرى لك إحساناً علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا - وهذا تأويل ابن إسحاق .


[6766]:يريد أنه في تلك اللحظة كان هو العزيز بعد عزل الأول وهو قطفير، أو موته.