التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (43)

إنشاء تنزيه لله تعالى عما ادعوه من وجود شركاء له في الإلهية .

وهذا من المقول اعتراض بين أجزاء المقول ، وهو مستأنف لأنه نتيجة لبطلان قولهم : إن مع الله آلهة ، بما نهضت به الحجة عليهم من قوله : { إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاً } . وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى : { سبحانه وتعالى عمّا يصفون } في سورة [ الأنعام : 100 ] .

والمراد بما يقولون ما يقولونه مما ذكر آنفاً كقوله تعالى : ونرثه ما يقول .

وعلوا } مفعول مطلق عامله { تعالى } . جيء به على غير قياس فعله للدلالة على أن التعالي هو الاتصاف بالعلو بحق لا بمجرد الادعاء كقول سعدة أم الكميت بن معر :

تعاليت فوق الحق عن آل فَقعس *** ولم تَخش فيهم ردة اليوم أو غد

وقوله سبحانه : { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم } [ المؤمنون : 24 ] ، أي يدعي الفضل ولا فضل له . وهو منصوب على المفعولية المطلقة المبينة للنوع .

والمراد بالكبير الكامل في نوعه . وأصل الكبير صفة مشبهة : الموصوف بالكبر . والكبر : ضخامة جسم الشيء في متناول الناس ، أي تعالى أكمل علو لا يشوبه شيء من جنس ما نسبوه إليه ، لأن المنافاة بين استحقاق ذاته وبين نسبة الشريك له والصاحبة والولد بلغت في قوة الظهور إلى حيث لا تحتاج إلى زيادة لأن وجوب الوجود والبقاء ينافي آثار الاحتياج والعجز .

وقرأ الجمهور { عما يقولون } بياء الغيبة . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بتاء الخطاب على أنه التفات ، أو هو من جملة المقول من قوله : { قل لو كان معه آلهة } [ الإسراء : 42 ] على هذه القراءة .