إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (43)

{ سبحانه } فإنه صريحٌ في أن المراد بيانُ أنه يلزم مما يقولونه محذورٌ عظيم من حيث لا يحتسبون ، وأما ابتغاءُ السبيل إليه تعالى بالتقرب فليس مما يختص بهذا التقرير ، ولا هو مما يلزمهم من حيث لا يشعرون بل هو أمرٌ يعتقدونه رأساً ، أي تنزّه بذاته تنزّهاً حقيقاً به { وتعالى } متباعداً { عَمَّا يَقُولُونَ } من العظيمة التي هي أن يكون معه آلهةٌ وأن يكون له بناتٌ { عَلَوْاْ } تعالياً كقوله تعالى : { والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً } { كَبِيراً } لا غايةَ وراءه ، كيف لا وإنه سبحانه في أقصى غاياتِ الوجود وهو الوجوبُ الذاتيُّ ، وما يقولونه من أن له تعالى شركاءَ وأولاداً في أبعد مراتبِ العدمِ أعني الامتناعَ ، لا لأنه تعالى في أعلى مراتب الوجودِ لذاته واتخاذُ الولد من أدنى مراتبِه فإنه من خواصَّ ما يمتنع بقاؤُه كما قيل ، فإن ما يقولونه ليس مجردَ اتخاذِ الولد بل اتخاذِه تعالى له وأن يكون معه آلهةٌ ، ولا ريب في أن ذلك ليس بداخل في حد الإمكان فضلاً عن دخولِه تحت الوجود ، وكونُه من أدنى مراتب الوجودِ إنما هو بالنسبة إلى من شأنه ذلك .