التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَكُلّٗا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَۖ وَكُلّٗا تَبَّرۡنَا تَتۡبِيرٗا} (39)

التنوين في { كُلاًّ } تنوين عوض عن المضاف إليه . والتقدير : وكلَّهم ضربنا له الأمثال وانتصب { كُلاّ } الأول بإضمار فعل يدل عليه { ضربنا له } تقديره : خاطبنا أو حذَّرنا كُلاًّ وضربنا له الأمثال ، وانتصب { كُلاًّ } الثاني بإضمار فعل يدل عليه { تبرنا } وكلاهما من قبيل الاشتغال .

والتتبير : التفتيت للأجسام الصلبة كالزجَاج والحديد . أطلق التتبير على الإهلاك على طريقة الاستعارة تبعيةً في { تبرنا } وأصلية في { تتبيراً } ، وتقدم في قوله تعالى : { إن هؤلاء متبّر ما هم فيه } في سورة الأعراف ( 139 ) ، وقوله : { وليُتَبِّروا ما علَوْا تتبيراً } في سورة الإسراء ( 7 ) . وانتصب { تتبيراً } على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله لإفادة شدة هذا الإهلاك .

ومعنى ضرب الأمثال : قولها وتبيينها وتقدم عند قوله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } في سورة البقرة ( 26 ) .

والمَثَل : النظير والمشابه ، أي بيّنا لهم الأشباه والنظائر في الخير والشر ليعرضوا حال أنفسهم عليها . قال تعالى : { وسَكَنْتُم في مَساكِن الذين ظَلَموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعَلْنا بهم وضربنا لكم الأمثال } [ إبراهيم : 45 ] .