التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَلَئِن جِئۡتَهُم بِـَٔايَةٖ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُبۡطِلُونَ} (58)

لما انتهى ما أقيمت عليه السُورة من دلائل الوحدانية وإثبات البعث عقب ذلك بالتنويه بالقرآن وبلوغه الغاية القصوى في البيان والهدى .

والضرب حقيقته : الوضع والإلصاق ، واستعير في مثل هذه الآية للذكر والتبيين لأنه كوضع الدالِّ بلصق المدلول ، وتقدم في قوله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } [ البقرة : 26 ] وتقدم أيضاً آنفاً عند قوله { ضرَب لكم مثلاً من أنفسكم } [ الروم : 28 ] ، وهذا كقوله تعالى { ولقد صرفنا للناس في هذا القرءان من كل مثل } المتقدم في سورة الإسراء ( 89 ) ، و ( الناس ) أُريد به المشركون لأنهم المقصود من تكرير هذه الأمثال ، وعطف عليه قوله { ولئن جئتهم بآية } الخ فهو وصف لتلقي المشركين أمثال القرآن فإذا جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن فيها إرشادهم تلقوها بالاعتباط والإنكار البحت فقالوا { إن أنتم إلا مبطلون } .

/د58