التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (39)

جملة { ما خلقناهما إلا بالحق } بدل اشتمال من جملة { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } .

والباء في { بالحق } للملابسة ، أي خلقنا ذلك ملابساً ومقارناً للحق ، أو الباء للسببية ، أي بسبب الحق ، أي لإيجاد الحق من خلقهما .

والحق : ما يحق وقوعه من عمل أو قول ، أي يجب ويتعين لسببية أو تفرع أو مجازاة ، فمن الحق الذي خُلقت السماوات والأرض وما بينهما لأجله مكافأة كل عامل بما يناسب عمله ويُجازيه ، وتقدم عند قوله تعالى : { أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } في سورة الروم ( 8 ) .

والاستدراك في قوله : { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ناشىء عما أفاده نفي أن يكون خلق المخلوقات لَعباً وإثبات أنه للحق لا غير من كون شأن ذلك أنْ لا يخفى ولكن جهل المشركين هو الذي سوّل لهم أن يقولوا { ما نحن بمنشرين } [ الدخان : 35 ] .

وجملة الاستدراك تذييل ، وقريب من معنى الآية قوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية } في آخر سورة الحجر ( 85 ) .