فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ مَا خَلَقْنَاهُمَا } وما بينهما { إِلَّا بِالْحَقِّ } أي بالأمر الحق ، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال ، وقال الكلبي إلا للحق وكذا قال الحسن ، وقيل إلا لإقامة الحق وإظهاره ، وقيل بالعدل ، وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، وقيل بالجد ضد اللعب .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } لقلة نظرهم أن الأمر كذلك ، وهم المشركون ، وفيه تجهيل عظيم لمنكري البعث والحشر ، وتوكيد لأن إنكارهم يؤدي إلى إبطال الكائنات بأسرها ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، وفي هذه الآية دليل على صحة الحشر ووقوعه .

ووجه الدلالة أنه لو لم يحصل البعث والجزاء لكان هذا الخلق عبثا ، لأنه تعالى خلق نوع الإنسان ، وخلق ما ينتظم به أسباب معاشهم من السقف المرفوع ، والمهاد المفروش ، وما فيهما وما بينهما من عجائب المصنوعات وبدائع الأحوال ثم كلفهم بالإيمان والطاعة فاقتضى ذلك أن يتميز المطيع من المعاصي ، بأن يكون المطيع متعلق فضله وإحسانه ، والعاصي متعلق عدله وعقابه ، وذلك لا يكون في الدنيا لقصر زمانها ، وعدم الاعتداد بمنافعها ، لكونها مشوبة بأنواع الآفات والمحن ، فلابد من البعث { وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } فظهر بهذا وجه اتصال الآية بما قبلها ، وهو أنه لما حكى مقالة منكري البعث والجزاء ، وهددهم ببيان مآل المجرمين الذين مضوا ، ذكر الدليل القاطع ، الدال على صحة البعث والجزاء فقال : وما خلقنا الخ .