التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أَمۡ لَهُ ٱلۡبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلۡبَنُونَ} (39)

لما جرى نفي أن تكون لهم مطالعة الغيب من الملأ الأعْلى إبطالاً لمقالاتهم في شؤون الربوبية أعقب ذلك بإبطال نسبتهم لله بنات استقصاء لإِبطال أوهامهم في المغيبات من العالم العلوي ، فهذه الجملة معترض بين جملة { أم لهم سلم } [ الطور : 38 ] وجملة { أم تسألهم أجراً } [ الطور : 40 ] ، ويقدر الاستفهام إنكاراً لأن يكون لله البنات .

ودليل الإِنكار في نفس الأمر استحالة الولد على الله تعالى ولكن لمَّا كانت عقول أكثر المخاطبين بهذا الرد غيرَ مستعدة لإِدراك دليل الاستحالة ، وكان اعتقادهم البنات لله منكراً ، تُصدِّيَ لدليل الإِبطال وسُلِك في إبطاله دليل إقناعي يتفطنون به إلى خطل رأيهم وهو قوله : { ولكم البنون } .

فجملة { ولكم البنون } في موضع الحال من ضمير الغائب ، أي كيف يكون لله البنات في حال أن لكم بنين وهم يعلمون أن صنف الذكور أشرف من صنف الإِناث على الجملة كما أشار إليه قوله تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى } [ النجم : 21 ، 22 ] . فهذا مبالغة في تشنيع قولهم فليس المراد أنهم لو نسَبوا لله البنين لكان قولهم مقبولاً لأنهم لم يقولوا ذلك فلا طائل تحت إبطاله .

وتغيير أسلوب الغيبة المتبع ابتداء من قوله : { أم يقولون شاعر } [ الطور : 30 ] إلى أسلوب الخطاب التفات مكافحة لهم بالرد بجملة الحال . وتقديم { لكم } على { البنون } لإِفادة الاختصاص ، أي لكم البنون دونه فهم لهم بنون وبنات ، وزعموا أن الله ليس له إلا البنات . وأما تقديم المجرور على المبتدأ في قوله : { أم له البنات } فللاهتمام باسم الجلالة وقد أنهي الكلام بالفاصلة لأنه غرض مستقل .