والرفرف : ما تدلى من الأسرة من غالي الثياب والبسط : وكذلك قال ابن عباس وغيره : إنها فضول المحابيس والبسط ، وقال ابن جبير ، الرفرف : رياض الجنة .
قال القاضي أبو محمد : والأول أصوب وأبين ، ووجه قول ابن جبير : إنه من رف البيت ، إذا تنعم وحسن ، وما تدلى حول الخباء من الخرقة الهفافة يسمى رفرفاً ، وكذلك يسميه الناس اليوم . وقال الحسن ابن أبي الحسن ، الرفرف : المرافق ، والعبقري : بسط حسان فيها صور وغير ذلك ، تصنع بعبقر ، وهو موضع يعمل فيه الوشي والديباج ونحوه قال ابن عباس : العبقري : الزرابي . وقال ابن زيد : هي الطنافس . وقال مجاهد : هي الديباج الغليظ .
وقرأ زهير الفرقبي{[10862]} : «رفارفَ » بالجمع وترك الصرف . وقرأ أبو طمعة المدني : وعاصم في بعض ما روي عنه «رفارفٍ » بالصرف ، وكذلك قرأ عثمان بن عفان : «رفارفٍ وعباقرٍ » بالجمع والصرف ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10863]} ، وغلط الزجاج والرماني هذه القراءة . وقرأ أيضاً عثمان في بعض ما روي عنه : «عبَاقَر » : بفتح القاف والباء ، وهذا على أن اسم الموضع «عبَاقَر » بفتح القاف ، والصحيح في اسم الموضع : «عبقر » ، قال الشاعر [ امرؤ القيس ] : [ الطويل ]
كأن صليل المروحين تشذه . . . صليل الزيوف بنتقدن بعبقرا{[10864]}
قال الخليل والأصمعي : إذا استحسنت شيئاً واستجادته قالت { عبقرى } .
قال القاضي أبو محمد : ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه »{[10865]} وقال عبد الله بن عمر : العبقري سيد القوم وعينهم . وقال زهير : [ الطويل ]
بخيل عليها جنة عبقرية . . . جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا{[10866]}
ويقال عبقر : مسكن للجن . وقال ذو الرمة : [ البسيط ]
حتى كأن رياض القف ألبسها . . . من وشي عبقر تجليل وتنجيد{[10867]}
و { متكئين } : حال من { ولمن خاف مقام ربه } كررت بدون عطف لأنها في مقام تعداد النعم وهو مقام يقتضي التكرير استئنافاً .
والرفرف : ضرب من البسط ، وهو اسم جمع رَفرفة ، وهي ما يبسط على الفراش ليُنام عليه ، وهي تنسج على شبه الرياض ويغلب عليها اللون الأخضر ، ولذلك شبه ذو الرمة الرياض بالبسط العبقرية في قوله :
حتّى كأنَّ رياض القُف ألبسَها *** مِن وَشْي عَبقَرَ تجْليل وتنجيد
فوصفها في الآية بأنها { خضر } وصف كاشف لاستحضار اللون الأخضر لأنه يسرّ الناظر .
وكانت الثياب الخضر عزيزة وهي لباس الملوك والكبراء ، قال النابغة :
يصونون أجساداً قديماً نعيمُها *** بخالصة الأرْدَان خُضْرِ المناكب
وكانت الثياب المصبوغة بالألوان الثابتة التي لا يزيلها الغسل نادرة لقلة الأصباغ الثابتة ولا تكاد تعدو الأخضر والأحمر ويسمّى الأرجواني .
وأما المتداول من إصباغ الثياب عند العرب فهو ما صُبغ بالورس والزعفران فيكون أصفر ، وما عدا ذلك فإنما لونه لون ما ينسج منه من صوف الغنم أبيض أو أسود أو من وبر أو من كتان أبيض أو كان من شَعَر المعز الأسود .
و { حسان } : جمع حسناء وهو صفة ل { رفرف } إذ هو اسم جمع .
وعبقري : وصف لما كان فائقاً في صنفه عزيز الوجود وهو نسبة إلى عبقر بفتح فسكون ففتح اسم بلاد الجنّ في معتقد العرب فَنَسَبوا إليه كل ما تجاوز العادة في الإِتقان والحسن ، حتى كأنه ليس من الأصناف المعروفة في أرض البشر ، قال زهير :
بِخَيْل عليها جِنة عبقرية *** جديرون يوماً أن ينَالوا ويسْتَعْلُوا
فشاع ذلك فصار العبقري وصفاً للفائق في صنفه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه من رؤيا القليب الذي استسقَى منه « ثم أخذها ( أي الذَنوبَ ) عُمر فاستحالت غَرباً فلم أَرَ عَبقَريًّا يَفري فَرِيَّة » . وإلى هذا أشار المعري بقوله :
وقد كان أرباب الفصاحة كلما *** رَأوا حَسَناً عَدُّوه من صنعَة الجن
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{متكئين على رفرف خضر} يعني المحابس فوق الفرش {وعبقري حسان} يعني لزرابي، وهي الطنافس المخملة، وهي الحسان...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جلّ ثناؤه هذه الكرامة التي وصفها في هذه الآيات في الجنتين اللتين وصفهما" مُتّكِئِينَ على زَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسانِ". واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف؛
فقال بعضهم: هي رياض الجنة، واحدتها: رفرفة...
وأما العبقريّ، فإنه الطنافس الثخان، وهي جماع، واحدها: عبقرية. وقد ذُكر أن العرب تسمي كل شيء من البسط عبقريا.
وقال آخرون: العبقريّ: الديباج...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} فيه ستة تأويلات:
الرابع: أنها الفرش المرتفعة، مأخوذ من الرف.
الخامس: أنها المجالس يتكئون على فضولها.
{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} فيه أربعة أقاويل:
الثالث: أنها ثياب في الجنة لا يعرفها أحد...
الرابع: أنها ثياب الدنيا تنسب إلى عبقر.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والرفارف...،أصله من رف النبت يرف إذا صار غضا نضرا. وقيل: لما في الأطراف رفرف، لأنه كالنبت الغض الذي يرف من غضاضته. والخضر جمع أخضر.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
العبقري عند العرب كلُّ ثوبٍ مُوَشَّى.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
الرفرف كل فرش يرتفع، مأخوذ من الرف، وهو المرتفع في الجدار. وعبقري: قرية باليمن ينسج بها الوشي، وهم ينسبون إليها كل شيء حسن. وقد ذكر بعضهم أن العبقري هاهنا: هو الوشي.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
الرفارف:... هي مجالس خضر فوق الفرش...
كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف...العبقري: عتاق الزرابي.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والرفرف: ما تدلى من الأسرة من غالي الثياب والبسط،العبقري:...
{متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان، فبأي آلاء ربكما تكذبان}...
الرفرف إما أن يكون أصله من رف الزرع إذا بلغ من نضارته فيكون مناسبا لقوله تعالى: {مدهامتان} ويكون التقدير أنهم متكئون على الرياض والثياب العبقرية، وإما أن يكون من رفرفة الطائر، وهي حومة في الهواء حول ما يريد النزول عليه فيكون المعنى أنهم على بسط مرفوعة كما قال تعالى: {وفرش مرفوعة} وهذا يدل على أن قوله تعالى: {ومن دونهما جنتان} أنهما دونهما في المكان حيث رفعت فرشهم... إذ قلنا: إن الرفرف هي البسط فما الفائدة في الخضر حيث وصف تعالى ثياب الجنة بكونها خضرا قال تعالى: {ثياب سندس خضر}؟
نقول: ميل الناس إلى اللون الأخضر في الدنيا أكثر فذكر الله تعالى في الآخرة ما هو على مقتضى طبعه في الدنيا.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمرجاح يمينا وشمالا ورفعا وخفضا يتلذذ به مع أنسيته، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكاهما وفرشهما، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان.ثم قال: "وعبقري حسان " فالعبقري ثياب منقوشة تبسط، فإذا قال خالق النقوش إنها حسان فما ظنك بتلك العباقر!. وقال الخليل: كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري.
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
رفرف:.. هو فضول الثياب التي تتخذ الملوك في الفرش وغيره.قال ابن الأعرابي: الرفرف هاهنا طرف الفسطاط. فشبه ما فضل من المحابس عما تحته بطرف الفسطاط، فسمى رفرفا. وكل ما فضل من شيء فثُنِيَ وعُطف: فهو رفرف...
. عبقري.. يقال: أنه نسب إلى «عبقر»، وهي أرض يسكنها الجن، فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء رفيع،...وقال أبو الحسن الواحدي: وهذا القول هو الصحيح في «العبقري». وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن، أو شبهته بهم،هذا هو الأصل، ثم صار العبقري نعتا لكل ما بولغ في صفته. فتأمل كيف وصف الله سبحانه وتعالى «الفرش» بأنها مرفوعة، و«الزرابي» أنها مبثوثة، و«النمارق» بأنها مصفوفة، فرفع الفرش دال على سمكها ولينها. وبث الزرابي دال على كثرتها، وأنها في كل موضع، لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره، ووصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائما، ليست مخبأة تصف في وقت دون وقت.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{متكئين} أي لهم ذلك في حال الاتكاء ديدناً لأنهم لا شغل لهم بوجه إلا التمتع {على رفرف} أي ثياب ناعمة وفرش رقيقة النسج من الديباج لينة ووسائد عظيمة ورياض باهرة وبسط لها أطراف فاضلة، ورفرف السحاب هدبه أي ذيله المتدلي. ولما كان الأخضر أحسن الألوان وأبهجها قال: {خضر وعبقري} أي متاع كامل من البسط وغيرها هو في كماله وغرابته كأنه من عمل الجن، والعبقري الكامل من كل شيء، {حسان} أي هي في غاية من كمال الصنعة وحسن المنظر لا توصف
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {متكئين}: حال من {ولمن خاف مقام ربه} كررت بدون عطف لأنها في مقام تعداد النعم وهو مقام يقتضي التكرير استئنافاً.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«رفرف» في الأصل بمعنى الأوراق الواسعة للأشجار، ثمّ أطلقت على الأقمشة الملوّنة الزاهية التي تشبه مناظر الحدائق...
«عبقري» في الأصل بمعنى كلّ موجود قلّ نظيره، ولذا يقال للعلماء الذين يندر وجودهم بين الناس (عباقرة) ويعتقد الكثير أنّ كلمة (عبقر) كان في البداية اسما لمدينة (بريان) انتخبه العرب لها، لأنّ هذه المدينة كانت في مكان غير معلوم ونادر. لذا فإنّ كلّ موضوع يقلّ نظيره ينسب لها ويقال «عبقري». وذكر البعض أنّ «عبقر» كانت مدينة تحاك فيها أفضل المنسوجات الحريرية...والمعنى الأصلي لهذه الكلمة متروك في الوقت الحاضر وتستعمل كلمة «عبقري» ككلمة مستقلّة بمعنى نادر الوجود، وتأتي جمعاً في بعض الأحيان، كما في الآية مورد البحث. و (حسان) جمع (حسن) على وزن «نسب» بمعنى جيّد ولطيف.. وعلى كلّ حال فإنّ هذه التعابير حاكية جميعاً عن أنّ كلّ موجودات الجنّة رائعة: الفاكهة، الغذاء، القصور، الأفرشة.. والخلاصة أنّ كلّ شيء فيها لا نظير له ولا شبيه في نوعه.